للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صبيحة هذا اليوم دخل جيشُ الخبيث إلى البصرة قَهْرا، فقتَلَ من أهلها خلْقًا كثيرًا، وهرب نائبها بُغراج ومَن معه، وحرقت الزَّنجُ جامعَ البصرة ودورًا كثيرة، وانتهبوها، ثم نادى فيهم إبراهيم بن يحيى المهلبي أحدُ أصحاب الخارجي: مَنْ أراد الأمان فليحضر. فاجتمع خلْق كثير من أهلها، فرأى أنَّه قد أصاب فرصةً، فغدَرَ بهم، وأمر بقتلهم، فلم يفلت منهم إلا الشاذ. كانت الزَّنج تحيط بالجماعة من أهل البصرة، ثم يقول بعضهم لبعض: كيلوا، وهي الإشارة بينهم إذا أرادوا قتلَ أحدٍ، فيحملون عليه بالسيوف، فلا تسمع إلا (١) تشهّد أولئك، وضجيجهم عند القتل، فإنَّا للّه وإنا إليه راجعون.

وهكذا [يفعلون في] (٢) كُلّ مَحَلَّةٍ من محال البصرة في عدة أيام، وهرب الناس منهم كُلَّ مهربٍ، وأحرقوا الكلأ من الجبل إلى الجبل، فحرقت (٣) النار ما وجدت من شيءٍ؛ من إنسان، أو بهيمة، أو أثاث أو غير ذلك؛ وأحرقوا المسجد الجامع أيضًا. [وقد قتل في هؤلاء جماعةٌ كثيرة من الأعيان والأدباء والفضلاء والمحدّثين والعلماء؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون] (٤).

وكان هذا الخبيث قد أوقع بأهل فارس وقعةً عظيمة (٥)، ثم بلَغَه أنَّ أهلَ البصرة قد جاءهم من الميرة شيءٌ كثيرٌ، وقد اتسعوا بعد الضّيق، فحسدهم على ذلك، فروى ابنُ جرير (٦) عمَّن سمعه يقول: دَعَوْتُ اللهَ على أهل البصرة. فخوطبْتُ، فقيل لي: إنَّما أهلُ البصرة خُبْزَةٌ [لك] (٧) تأكلها من جوانبها؛ فإذا انكسر نصْفُ الرَّغيف خربت البصرة، فأوَّلتُ ذلك بانكساف القمر. وقد كان هذا شائعًا في أصحابه، حتَّى وقَعَ الأمرُ طِبْقَ ذلك.

ولا شك أنَّ هذا كان مع شيطان يخاطبه، كما كان يأتي شيطان مسيلمة إلى مسيلمة، [والله أعلم] (٨).

ولما أوقَعَ أصحابه من الزَّنْج وغيرهم ما أوقعوا بأهل البصرة، قال لمن معه؛ أي: صبيحة ذلك اليوم: دَعَوْتُ اللهَ على أهل البصرة، فرُفعت لي [البصرة] (٩) بين السَّماء والأرض، ورأيْتُ أهلَها


(١) في ط: إلا قول أشهد أن لا إله إلا الله من أولئك المقتولين، وضجيجهم عند القتل، أي صراخ الزنج وضحكهم، فإنا لله …
(٢) من ب، ظا، ط.
(٣) في آ: تحرق.
(٤) زيادة من ب، ظا والنسخة المصرية من المطبوع.
(٥) في آ: كبيرة.
(٦) الطبري (٩/ ٤٨١).
(٧) زيادة من ط والطبري.
(٨) من ب، ظا.
(٩) من ط والطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>