للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه الحال الشديدة اتفق موت الخليفة المعتضد بالله، في ربيع الأول من هذه السنة، أحسن الله خاتمتها.

وهذه ترجمة المعتضِد بالله (١): أحمد بن الأمير أبي أحمد الموفَّق الملقب بناصر دين الله، واسم أبي أحمد محمد، وقيل: طلحة بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرَّشيد، أبو العباس، أمير المؤمنين، الخليفة، المعتضد بالله.

ولد في سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وأربعين ومئتين، وأمه أم ولد.

وكان أسمر، نحيفَ الجسم، معتدل القامة، قد وخَطه (٢) الشيب، في مقدم لحيته طول، وفي رأسه شامة بيضاء. وبويع له بالخلافة صبيحة يوم الإثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين، فاستوزر عبيد الله بن سليمان بن وَهْب، وولَّى القضاء إسماعيل بن إسحاق، ويوسف بن يعقوب، وابن أبي الشَّوارب.

وكان أمر الخلافة قد ضعف في أيام عمِّه المعتمد على الله، فحين وليها المعتضد أقام شعارها، ورفع منارها، وشتد دعائمها، وحيطانها، وأطَّر أركانها. وكان شجاعًا فاضلًا، من رجالات قريش حزمًا وجرأة وغزوًا وعزًّا، وإقدامًا وحرمة؛ وكذلك كان أبوه من قبله.

وقد أورد ابن الجوزي (٣) بإسناده أن المعتضد اجتاز في بعض أسفاره بقرية فيها مَقْثَأة، فوقف صاحبُها صائحًا مستصرخًا بالخليفة، فاستدعى به فسأله عن أمره، فقال: إنَّ بعض الجيش أخذوا لي شيئًا من القِثَّاء وهم من غلمانك. فقال: أتعرفهم؟ قال: نعم، فعرضهم عليه، فعرف منهم ثلاثة، فأمر الخليفة بتقييدهم وحبسهم، فلمَّا كان الصباح نظر الناس إلى ثلاثة أنفس مصلّبين على جادة الطريق (٤)، فاستعظم الناس ذلك وأنكروه، وعاب كثير من الناس ذلك على الخليفة، وقالوا: قتل ثلاثةً بسبب قِثاء أخذوه؟ فلما كان بعد قليل أمر الخواص من مسامره أن ينكر عليه ذلك وليتلطف في مخاطبته بذلك، فدخل عليه ذات ليلة وهو عازم على المفاوضة معه في ذلك، ففهم الخليفة ما في نفسه من كلام يريد أن يبديه، فقال له: إني أفهم أنَّ في نفسك كلامًا، فما هو؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، وأنا آمن؟ قال: نعم. قلت له: فإن


(١) مروج الذهب (٢/ ٤٦٢)، تاريخ بغداد (٤/ ٤٠٣)، المنتظم (٥/ ١٢٣ - ١٣٨)، سير أعلام النبلاء (١٣/ ٤٦٣)، الوافي بالوفيات (٦/ ٤٢٨)، شذرات الذهب (٢/ ١٩٩).
(٢) في الأصول: وخط الشيب، والمثبت من المطبوع والمنتظم.
(٣) المنتظم (٥/ ١٢٣ - ١٢٤).
(٤) "جادة الطريق": وسطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>