للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنّه يموت في التيه بعد هارون أخيه، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.

وقد زعم بعضهم أن موسى هو الذي خرج بهم من التيه ودخل بهم الأرض المقدّسة. وهذا خلاف ما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين. ومما يدلّ على ذلك قوله لما اختار الموتَ: ربّ أدنني إلى الأرض المقدّسة رميةً بحجر. ولو كان قد دخلها لم يسأل ذلك، ولكن لما كان مع قومه بالتيه وحانت وفاته أحبّ أن يتقرّب إلى الأرض التي هاجر إليها، وحثّ قومه عليها، ولكن حال بينهم وبينها القدر رميةً بحجر، ولهذا قال سيد البشر، ورسول الله إلى أهل الوبر والمدر (١): "فلو كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُم قَبْرَهُ عِنْدَ الكَثِيْبِ الأحْمرِ".

وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفان، حدّثنا حمّاد، حدّثنا ثابت وسليمان التَّيْمي، عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: "لما أُسْرِي بي مَرَرْتُ بموسَى وهُو قائِمٌ يُصَلّي في قَبْرِهِ عِنْدَ الكَثِيْبِ الأحْمَرِ" (٢).

ورواه مسلم من حديث حمّاد بن سلمة (٣)، به.

وقال السدّي عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرّة عن ابن مسعود، وعن ناسٍ من الصحابة قالوا: ثم إن الله تعالى أوحى إلى موسى: إني متوفٍّ هارون فائْتِ به جبل كذا وكذا. فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هم بشجرة لم يُرَ شجرةٌ مثلها، وإذا هم ببيتٍ مبني، وإذا هم بسريرٍ عليه فرش، وإذا فيه ريحٌ طيبةٌ، فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه، قال يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير، قال له موسى: فنم عليه قال: إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب عليّ، قال له: لا ترهب، أنا أكفيك ربَّ هذا البيت، فنم. قال: يا موسى نم معي فإن جاء ربّ هذا البيت غضب عليّ وعليك جميعًا. فلما ناما أخذ هارونَ الموتُ فلما وجدَ حسّه قال: يا موسى خدعتني. فلما قُبض رُفع ذلك البيت، وذهبت تلك الشجرة، ورفع السرير به إلى السماء، فلما رجع موسى إلى قومه وليس معه هارون قالوا: فإن موسى قتل هارون، وحسده حب بني إسرائيل له، وكان هارون أكفَّ عنهم وألينَ لهم من موسى، وكان في موسى بعضُ الغلظة عليهم، فلما بلغه ذلك قال لهم: ويحكم كان أخي أفتروني أقتله؟ فلما أكثروا عليه، قام فصلّى ركعتين ثمّ دعا اللهَ فنزل السريرُ حتى نظروا إليه بين السماء والأرض.

ثمّ إن موسى بينما هو يمشي ويوشَع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء فلما نظر إليها [يوشع] (٤) ظن أنها الساعة، فالتزم موسى وقال: تقوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبيّ الله، فاستل (٥) موسى


(١) المدر: الطين اليابس. ويراد به أهل المدينة الذين يبنون بيوتهم به.
(٢) المسند (٣/ ٢٤٨).
(٣) صحيح مسلم رقم (٢٣٧٥) في الفضائل، باب من فضائل موسى .
(٤) زيادة من ط، وتاريخ الطبري.
(٥) في ب: فانسل.