للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى الخطيب بسنده إليه أنه بلغه أن ذا النون يحفظ اسم الله الأعظم، فقصده ليعلّمه إياه قال: فلما وردتُ عليه استهان بي، وكانت لي لحية طويلة، ومعي رِكْوَة (١) طويلة (٢)، فجاءه يومًا رجل فناظر ذا النون، فأسْكَتَ ذا النُّون، فناظرت أنا الرَّجُلَ فأسْكتُهُ، فقام ذو النون فجلس بين يديَّ، وهو شيخ وأنا شابٌّ، واعتذر إلي، فخدمْتُه سنة، ثم سألته أن يعلِّمَني الاسم الأعظم، فلم يبعد مني ووعدني، فمكثت بعد ذلك ستةَ أشهر، ثم أخرج إلي طبقًا عليه مَكَبَّةٌ مشدودًا (٣) بمنديل، وقال لي: اذهب بهذا إلى صاحبنا فلان. قال: فجعلت أفكر في الطريق: ما هذا الذي قد أرسلني به؟ فلما وصلتُ الجسر فتحته فإذا فيه فأرة، فقفزتْ وذهبت، فاغتظتُ غيظًا شديدًا، وقلت: ذو النُّون يسخر بي؟! فرجعت إليه وأنا حَنِقٌ فقال لي: ويحك، إنما اختبرتك، فإذا لم تكن أمينًا على فأرة فأَنْ لا تكون أمينًا على الاسم الأعظم بطريق الأَوْلى، اذهب عني، فلا أراك بعدها (٤).

وقد رؤي ابن (٥) الحسين الرَّازي هذا في المنام بعد موته فقيل له: ما فَعَلِ الله بك؟ فقال: غفر لي بقولي عند الموت: اللهم، إني نصحت للنَّاس قولًا وخُنْتُ نفسي فِعْلًا، فهَبْ لي خيانة فِعْلي لنصح قولي.

يموت بن المُزَرِّع بن يموت (٦)، أبو بكر العَبْدي من عبد القَيْس، وهو بَصْري (٧)، وكان ابنَ أُخت الجاحظ.

قَدِمَ بغداد، وحدَّث بها عن أبي عُثْمان المازني، وأبي حاتِم السَّجِسْتاني، وأبي الفضل الرِّياشي، وكان صاحب أخبار وآدابٍ ومُلَحٍ، وقد كان غَيَّر اسمه بمحمد، فلم يَغْلِبْ عليه إلا الأول، وكان إذا ذهب يعود مريضًا فدقّ الباب فقيل: من؟ فيقول: ابن المُزَرِّع، ولا يذكر اسمه لئلا يتطيروا (٨) به.


(١) إناء صغير من جلد يُشرب فيه الماء. اللسان (ركا).
(٢) كأنه استشنع منظره، فلم يلتفت إليه.
(٣) في (ط) مستورًا.
(٤) تاريخ بغداد (١٤/ ٣١٦ - ٣١٧) وقد بسط الخبر ثمة.
(٥) في النسخ الخطية و (ط) أبو الحسين، وهو وهم.
(٦) طبقات النحويين واللغويين (٢٣٥ - ٢٣٦) معجم الشعراء للمرزباني (٥١٠) جمهرة أنساب العرب (٢/ ٢٩٨) تاريخ بغداد (٣/ ٣٠٨، ١٤/ ٣٥٨ - ٣٦٠) نزهة الألباء (١٦٣ - ١٦٤) المنتظم (٦/ ١٤٣) معجم الأدباء (٢٠/ ٥٧ - ٥٨) إنباه الرواة (٤/ ٧٤) وفيات الأعيان (٧/ ٥٣ - ٥٩) سير أعلام النبلاء (١٤/ ٢٤٧ - ٢٤٨) غاية النهاية (٢/ ٣٩٢).
(٧) في النسخ الخطية و (ط) ثوري، ولم أر لها وجهًا، والمثبت مما ذكرته مصادر ترجمته.
(٨) في النسخ الخطية و (ط) يتفاءلوا، ولا وجه لها، والمثبت من وفيات الأعيان (٧/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>