للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دار السُّلْطان، ومن غِلْمان نَصْر القشوري الحاجب، وزعم لهم أنه يحيي الموتى، وأن الجنَّ يخدمونه، ويحضرون له ما يختاره ويشتهيه (١). وقال: إنه قد أحيا عِدَّة من الطَّير. وذُكرَ لعلي بن عيسى أن رجلًا يقال له محمد بن علي القُنَّائي (٢) الكاتب يعبُدُ الحلَّاج، ويدعو النَّاس إلى ذلك، فطلبه وكَبَسَ منزله، [فأخذه] (٣) فأقرَّ أنه من أصحاب الحلاج، ووجد في منزله أشياء بخطِّ الحلاج مكتتبة بماء الذهب في ورق الحرير مجلدة بأفخر الجلود. ووجد عنده سَفَطًا (٤) فيه من رجيع (٥) الحلاج وبوله، وأشياء من آثاره، وبقية الخبز من زاده، فطلب الوزير من الخليفة المقتدر أن يتكلَّم في أمر الحلاج، ففوَّض أمره إليه، فاستدعى بجماعة من أصحاب الحلَّاج، فتهدَّدهم، فاعترفوا له أنه قد صحَّ عندهم أنه إله (٦)، وأنه يحيي الموتى، وكاشفوا الحلاج بذلك (٧)، فجحده (٨) وكذَّبهم وقال: أعوذ بالله أن أدعي الربوبية أو النُّبوة، وإنما أنا رجل أعبد الله، وأُكثر (٩) الصَّوْم والصلاة وفعل الخير، ولا أعرف غير ذلك. وجعل لا يزيد على الشَّهادتين والتوحيد، ويكثر أن يقول: سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوءًا وظلمتُ نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. وكانت عليه مِدْرعة (١٠) سوداء، وفي رجليه ثلاثة عشر قيدًا، وهي واصلة إلى ركبتيه. قالوا: وكان مع ذلك يصلِّي في كل يوم وليلة ألف ركعة (١١).

وكان قبل احتياط الوزير حامد بن العبَّاس عليه في حُجْرة من دار نصر القشوري الحاجب، مأذونًا لمن يدخل إليه، وكان يسمِّي نفسه تارة بالحسين بن منصور، وتارة محمد بن أحمد الفارسي، وكان نَصْر الحاجب قد افتتن به، وظنَّ أنه رجل صالح، وكان قد أدخله على المقتدر بالله فَرَقاه من وجعٍ حَصَلَ له، فاتفق زواله [عنه] (١٢) وكذلك وقع لوالدته السيدة أم المقتدر، فزالت عِلَّتها، فنَفقَ سوقه، وحظي في دار السلطان، فلما انتشر الكلام فيه سُلِّم إلى الوزير حامد بن العباس، فحبسه في قيود كثيرةٍ في رجليه،


(١) في (ط): وجعل لهم في جملة ما أدعاه أنه يحيي الموتى، وأن الجن يخدمونه، ويحضرون له ما شاء ويختار ويشتهيه.
(٢) في (ب) و (ظ): القباني، وهو تصحيف.
(٣) ما بين حاصرتين من (ط).
(٤) وعاء كان يوضع فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء. المعجم الوسيط (١/ ٤٣٥ - ٤٣٦).
(٥) هو النجو، هو ما يخرج من البطن من غائط. اللسان (رجع) و (نجا).
(٦) في (ط): أنه إله مع الله.
(٧) في (ط): ورموه في وجهه.
(٨) في (ط): فجحد ذلك.
(٩) في (ط): له.
(١٠) لباس من الصوت الغليظ كان يرتديه العبيد وفقراء العامة. المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب (١٤٩).
(١١) تاريخ بغداد (٨/ ١٣٢ - ١٣٣).
(١٢) ما بين حاصرتين من (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>