للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راكبٌ على حمار في طريق النّهروان، فقال: لعلكم مثل هؤلاء النفر (١) الذين ظنوا أني أنا هو المضروب المقتول (٢). فكانوا بجهلهم يقولون: إنما قَتَلَ عدوًا من أعداء الحلاج (٣).

وقال بعض علماء ذلك الزمان: إن كان هذا الرأي صادقًا، فلعل دابة؛ يعني من الشياطين تبدَّى على صورته، ليضِلَّ به الناس (٤)، كما ضَلَّت فرقة النَّصارى بالمصلوب.

قال الخطيب: واتفق أنَّ دِجْلَة زادت في هذا العام زيادة كبيرة، فقالوا: إنما زادت لأن رماد الحلاج (٥) خالطَها (٦). ونُوديَ ببغداد ألا يشتري أحدٌ من كتب الحلاج شيئًا ولا يبيعا (٧).

وكان قتل الحلاج في يوم الثلاثاء لستٍّ بقين من ذي القَعْدة من سنة تسعٍ وثلاثمئة ببغداد.

وذكره القاضي ابن خلِّكان في "الوفيات"، وحكى اختلاف النَّاس فيه، ونقل عن الغزالي في "مشكاة الأنوار" أنه كان يتأول كلامه ويحمله على ما يليق (٨). ثم نقل (٩) عن إمام الحَرَمين أنه كان يذمُّه، ويقول: إنه اتفق هو والجنَّابي وابن المُقَفَّع على إفساد عقائد النَّاس، وتفرَّقوا في البلاد، فكان الجَنَّابي في هَجَر والبحرين، وابن المُقَفَّع ببلاد التُّرْك، ودخل الحلاج العِراق (١٠).

قال القاضي ابن خَلِّكان: وهذا لا ينتظم؛ فإن ابن المُقَفَّع كان قبل الحلاج بدهر؛ فإنه كان في أيام السَّفَّاح والمنصور، ومات سنة خمس وأربعين ومئة (١١) أو قبلها. ولعل إمامَ الحرمين أراد المقنَّع (١٢) الخُرَاساني الذي ادَّعى الرُّبوبية، وأوتي القمر (١٣)، واسمُه عطاء، وقد قتل نفسه بالسُّمِّ في سنة ثلاث وستين ومئة، ولا يمكن اجتماعه مع الحلاج أيضًا، وإذا أردنا أن نصحِّحَ كلام إمام الحرمين، ونذكر


(١) في تاريخ بغداد: البقر.
(٢) في (ط): إني لست به، وإنما ألقي شبهي على رجل، ففعل به ما رأيتم.
(٣) تاريخ بغداد (٨/ ١٤٠ - ١٤١).
(٤) في (ط) فذكر هذا لبعض علماء ذلك الزمان، فقال: إن كان هذا الرأي صادقًا فقد تبدى له شيطان على صورة الحلاج ليضل به الناس.
(٥) في (ط): جثة الحلاج.
(٦) في (ط): وللعوام في مثل هذا وأشباهه ضروب من الهذيانات قديمًا وحديثًا.
(٧) تاريخ بغداد (٨/ ١٤١) وما في نسخنا المخطوطة أقرب إلى عبارة الخطيب.
(٨) مشكاة الأنوار (٥٧ - ٥٨).
(٩) في (ط): ثم نقل ابن خلكان.
(١٠) في (ط): فحكم صاحباه عليه بالهلكة لعدم انخداع أهل العراق بالباطل.
(١١) في (ط) ومئتين، وهو تحريف، ووفاته في أكثر المصادر سنة (١٤٢ هـ).
(١٢) في (ط) ابن المقفع، وهو تصحيف.
(١٣) في (ط) العمر، وهو تصحيف. وكان المقنع قد أظهر لهم من جملة تمويهاته صورة قمر يطلع ويراه الناس من مسافة شهرين من موضعه، ثم يغيب. وفيات الأعيان (٣/ ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>