للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جاءه في ذلك اليوم أميران من جهة الخليفة المقتدر، فدخلا عليه داره إلى بين حُرَمِه، وأخرجوه مكشوفًا رَأْسُه في غاية الذِّلَّة والإهانة (١)، فأركبوه في حَرَّاقة (٢) إلى الجانب الآخر، وفَهِمَ النَّاس ذلك، فرجموا ابنَ الفُرَات بالآجُرِّ، وتعطلتِ الجوامع، وسخمتِ (٣) العامَّةُ المحاريب، ولم يُصَلِّ الجمعةَ النَّاسُ فيها، وأُخذ خطُّه بألفي ألف دينار، وأخذ خط ابنه بثلاثة آلاف ألف دينار، وسلِّما إلى نازُوك؛ أمير الشُّرْطة، فاعتقلا حينًا، وخلَّص منهما الأموال، فلما قَدِمَ مؤنس الخادم سُلِّم إليه الوزير ابن الفرات، فأهانه غاية الإهانة بالضَّرْب والتقريع له ولولده المحسن المجرم الذي ليس بمحسن، ثم قتلا بعد ذلك، فكانت وزارته هذه الثالثة عشرة أشهر وأيامًا.

واستُوزرَ أبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه (٤) بن يحيى بن خاقان، وذلك في تاسع ربيعٍ الأول من هذه السنة.

وكان الخليفة قد أرسل إلى مؤنس الخادم ليحضر، فدخل بغداد في تجمُّلٍ عظيم، وسُلِّم إليه ابن الفرات كما ذكرنا، فعاقبه، وَشَفَع (٥) إلى الخاقاني في أن يُرْسِلَ إلى علي بن عيسى - وكان قد صار إلى صنعاء من اليمن مطرودًا - فعاد إلى مكة، وبَعَثَ إليه الوزير أن ينظر في أمر الشَّام ومِصْر.

وأمر الخليفة مؤنسًا الخادم بالمسير إلى ناحية الكوفة لأجل القرامطة، وأنفق على خروجه إلى هنالك ألف ألف دينار.

وأطلق القِرْمطي منْ كان في أسْرِهِ من الحجيج، وكانوا ألفي رجل وخمسمئة امرأة، وأطلق أبا الهيجاء نائبَ الكوفة معهم أيضًا، وكتب إلى الخليفة يطلب منه البَصْرة والأهواز، فلم يجب إلى ذلك.

وركب المُظَفَّر مؤنس الخادم في جحافل إلى بلاد الكوفة، فسكن أمْرُها، ثم انحدر إلى واسط خوفًا عليها من القرامطة، واستناب على الكوفة ياقوت الخادم، فتمهدت الأمور، وانصلحت.

وفي هذه السنة ظهر رجلٌ بين الكوفة وبغداد فادَّعى أنه محمد بن إسماعيل بن جعفر (٦) بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وصدَّقه على ذلك طائفة من الأعراب والطَّغام، والتفُّوا عليه،


(١) في (ط): وهو في غاية الذل والصغار، والإهانة والعار، فأركبوه.
(٢) نوع من السفن.
(٣) في (ط) وخربت.
(٤) في النسخ الخطية و (ط) عبد الله بن محمد بن يحيى، وهو وهم.
(٥) أي طلب. اللسان (شفع).
(٦) في (ط) محمد، وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>