للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلوه في الطَّواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذٍ يطوف، فلما قضى طوافه أخذته السُّيوف، فلمَّا وَجَبَ (١) إلى الأرض أنشد وهو كذلك:

ترى المحبّينَ صرعى في ديارِهُمُ ..... كِفِتْية الكهفِ لا يدرُونَ كم لبثوا

ثم أمر (٢) القِرْمِطِي أن يُدْفن القتلى في بئر زمزم، ودُفن كثير منهم في أماكنهم من الحرم حتى في المسجد الحرام، ويا حَبَّذا تلك القتلة وتلك الضجعة (٣). ولم يُغسلوا ولم يكفنوا، ولم يُصَلَّ عليهم، لأنهم [مُحْرِمون] (٤) شهداء في نفس الأمر ومن خيار الشهداء. وهَدَمَ قبة زمزم، وأمر بِقَلْعِ باب الكعبة، ونَزَعَ كسوتها عنها، وشققها بين أصحابه، وأمر رجلًا أن يصعد على ميزاب الكعبة، فأراد ذلك الرجل أن يقتلعه من موضعه، فسقط على أُمِّ رأسه، فمات لعنه الله، وصار إلى أمه الهاوية، فانكفَّ اللعين عند ذلك عن الميزاب، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، وجاءه رجل فضرب الحجر بمثقَّل في يده وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود - شرفه اللّه وكرمه وعظمه - وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردَّوه كما سنذكره في موضعه في سنة تسعٍ وثلاثين وثلاثمئة، فإنا للّه وإنا إليه راجعون.

ولما رجع إلى بلاده تبعه أمير مكة هو وأهل بيته وجنده، وسأله وتشفع إليه في أن يرد الحجر [الأسود] (٥) ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال، فلم يفعل، فقاتله أمير مكة، فقتله القِرْمِطِي، وقتل أكثر أهله وجُنْده، واستمر ذاهبًا إلى بلاده لعنه اللّه ومعه الحجر وأموال الحجيج. وقد ألحد [هذا اللعين] (٦) في المسجد الحرام إلحادًا لم يسبقه إليه أحد، ولا يلحقه فيه أحد، وسيجازيه على ذلك الذي ﴿لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ [الفجر: ٢٥، ٢٦]

وإنما حمل هؤلاء على هذا الصَّنيع لأنهم كانوا كفارًا زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنين ببلاد إفريقية من أرض المغرب، ويلقب أميرهم بالمهدي، وهو أبو محمد عُبَيد اللّه بن ميمون القَدَّاح، وقد كان صباغًا بسَلَمْيَة (٧)، [وكان] (٨) يهوديًا، فادعى أنه أسلم، ثم سار منها فصار


(١) أي سقط. اللسان (وجب).
(٢) في (ط): فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره، وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة أمر ..
(٣) في (ط) وذلك المدفن والمكان.
(٤) ما بين حاصرتين من (ط).
(٥) ما بين حاصرتين من (ط).
(٦) ما بين حاصرتين من (ط).
(٧) قال ياقوت: وأهل الشام يقولون: سَلَميَّة، وهي بلد من أعمال حمص معجم البلدان (٣/ ٢٤٠ - ٢٤١) وفي (ط): صباغًا.
(٨) ما بين حاصرتين من (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>