للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق، فأخذ بهم في شعاب وأوذية، فتاهوا هنالك أيامًا، فشاهد النَّاس هنالك عجائب، وغرائب ورأَوْا عظامًا في غاية الضخامة، وشاهدوا أناسًا قد مُسخوا حجارة، ورأى بعضهم امرأةً واقفة على تَنُّور [تَخبز فيه] (١) قد مُسِخت حجرًا، والتَّنُّور قد صار حجرًا. وحمل مؤنسٌ من ذلك شيئًا كثيرًا إلى الحضرة ليصدق ما يخبر به من ذلك. ذكره ابنُ الجَوْزي في "منتظمه". فيقال: إنهم مِنْ قَوْمِ عاد أو ثمود (٢).

وفيها عزل المقتدر سليمان بن الحسن الوزير بعد سنة وشهرين وتسعة أيام، واستوزر مكانه أبا القاسم عبيد اللّه بن محمد الكَلَوْذاني، ثم عزله بعد شهرين وثلاثة أيام، واستوزر الحسين بن القاسم، ثم عزله أيضًا.

وفيها وقعت وحشة بين الخليفة ومؤنس الخادم؛ بسبب أن الخليفة ولّى الحِسْبة لرجل اسمه محمد بن ياقوت، وكان أميرًا على الشرطة أيضًا. فقال مؤنس: إن الحسبة لا يتولَّاها إِلَّا القضاة والعدول، وهذا لا يصلح لها. ولم يزل بالخليفة حتى عزل محمد بن ياقوت عن الحسبة والشرطة أيضًا، وانصلح الحال بينهما. ثم تجدَّدتِ الوحشة بينهما في ذي الحِجَّة من هذه السنة، وما زالت تتزايد حتى آل الحال إلى قتل المقتدر باللّه كما سنذكره (٣).

وفي هذه السنة أوقع ثَمَل متولي طَرَسُوس بالرُّوم وقعةً عظيمة جدًّا، قتل منهم خَلْقًا كثيرًا، وأسر نحوًا من ثلاثة آلاف، وغنم من الذهب والفضة والدِّيباح شيئًا كثيرًا جدًّا، ثم أوقع بهم مَرَّة ثانية كذلك. وكتب ابن الدَّيْراني الأرْمني إلى الرُّوم يحضُّهم على الدُّخول إلى بلاد الإسلام، ووعَدَهُمْ منه النَّصْر والإعانة، فدخلوا في جحافلَ كثيرة جدًّا، وانضاف إليهم الأرْمني، فركب إليهم مفلح غلام يوسف بن أبي السَّاج وهو يومئذ نائب أذْرَبيجَان، واتبعه خَلْقٌ كثير من المطَّوّعة، فقصد أولًا بلاد ابن الدَّيْراني، فقتل من الأرْمَن نحوًا من مئة ألف، وأسر خَلْقًا كثيرًا، وغنم أموالًا جزيلة جدًّا، وتحصَّن ابن الدَّيْراني بقلعة له هنالك، وكاتَب (٤) الرُّومَ، فوصلوا إلى سُمَيْساط فحاصروها، فبعثوا يستصرخون بسعيد بن حمدان؛ نائب المَوْصل، فسار إليهم مسرعًا، فوجدَ الرُّوم قد كادوا يفتحونها، فلما عَلِموا بقدومه أجلوا عنها، واجتازوا بمَلَطْية فانتهبوها، ورجعوا خاسئين إلى بلادهم، ومعهم ابن نفيس الذي كان قد تنصر


(١) ما بين حاصرتين من (ط).
(٢) المنتظم (٦/ ٢٣٦) وفي (ط): من قوم عاد أو من قوم شعيب أو من ثمود، فاللّه أعلم.
(٣) انظر أحداث سنة (٣٢٠ هـ).
(٤) في (ح): وجاءت.

<<  <  ج: ص:  >  >>