للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الخطابي: وإنما سمي الخضر خضرًا لحسنه وإشراق وجهه. قلت: وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيح، فإن كان ولا بد من التعليل بأحدهما، فما ثبت في الصحيح أولى وأقوى، بل لا يلتفت إلى ما عداه، وقد روى الحافظ ابن عساكر (١) هذا الحديث أيضًا من طريق إسماعيل بن حفص بن عمر الأَيْلي (٢)، حدّثنا عثمان وأبو جُرَي (٣) وهمام بن يحيى، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن ابن عباس، عن النبي قال: "إنما سُمي الخَضِرُ خَضِرًا لأنَّهُ صَلّى عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فاهْتَزَّتْ خَضْراء". وهذا غريب من هذا الوجه.

وقال قبيصة، عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد قال: إنما سمي الخضر لأنه كان إذا صلّى اخضرّ ما حولَه (٤).

وتقدم أن موسى ويوشع لما رجَعا يقُصَّان الأثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر، وهو مسجًّى بثوب قد جُعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه فرد وقال: أنَّى بأرضك السلام من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. فكان من أمرهما ما قص الله في كتابه عنهما.

وقد دل سياق القصة على نبوته من وجوه:

أحدهما: قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾.

الثاني: قول موسى له: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٦٥ - ٧٠] فلو كان وليًا وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرذ على موسى هذا الردّ، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصّه الله به دونه، فلو كان غير نبي لم يكن معصومًا ولم تكن لموسى -وهو نبي عظيم ورسول كريم واجب العصمة- كبير رغبة ولا عظيم طلبة في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عليه ولو أنه يمضي حقبًا من الزمان، قيل: ثمانين سنة، لمّ لما اجتمع به تواضع له وعظّمه واتَّبعه في صورة مستفيد منه، دلّ على أنه نبي مثله، يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خُصَّ من العلوم اللدنية (٥)


(١) في ب: ابن عساكر الحافظ. والخبر في مختصر تاريخه (٨/ ٥٨).
(٢) الأيلي، بفتح الألف وسكون الياء: نسبة إلى بلدة على ساحل بحر القلزم مما يلي ديار مصر. اللباب.
(٣) في ط: أبو جزي، بالزاي.
(٤) أورده ابن عساكر. مختصر تاريخه (٨/ ٥٨).
(٥) في ب: الدينية.