للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إليه] (١) يتهدَّده ويتوعَّده ويذكره ما حَلَّ بالمعز والمستعين والمهتدي والقاهر. واختلفت الرُّسل بينهما، ثم كان آخر ذلك أن بعث الخليفة إليه بذلك قهرًا، ولم يتفق اجتماع الخليفة والبريدي ببغداد حتى خرج منها البريدي إلى واسط؛ وذلك أنه ثارت عليه الدَّيالمة، والتفوا على كبيرهم كورتكين، وراموا حريق دار البريدي حين قبضَ المال من الخليفة، ولم يعطهم شيئًا، وكانت البجكمية طائفة أخرى قد اختلفت معه أيضًا وهم والديالمة قد صاروا حزبين، فانهزم البريدي من بغداد (٢) يوم سَلْخ رمضان، فاستولى كورتكين على الأمور ببغداد، ودخل [إلى] (٣) المتقي، فقلَّده إمارة الأمراء، وخلع عليه، واستدعى المتقي عليَّ بنَ عيسى وأخاه عبد الرحمن، ففوَّض إلى عبد الرحمن تدبير الأمور من غير تسمية بوزارة، ثم قبض كورتكين على رئيس الأتراك تكينك غلام بُجْكُم وغَرَّقه. ثم تظلَّمتِ العامة من الدَّيْلم؛ أنهم يأخذون منهم دُورهم، فشكوا ذلك إلى كورتكين فلم يشكهم، فمنعتِ العامة الخطباء أن يصلُّوا في الجوامع، واقتتل الدَّيْلَم والعامة، فَقُتلَ من الفريقين خَلْقٌ كثير، وجمٌّ غفير.

وكان الخليفة قد كتب إلى أبي بكر محمد بن رائق؛ صاحب الشام يستدعيه إليه ليخلصه من الديلم والبريدي، فركب إلى بغداد في العشرين من رمضان ومعه جيشٌ عظيم، وقد صار إليه من الأتراك البجكمية خَلْقٌ كثير، وحين وصل إلى المَوْصل حاد عن طريقه ناصرُ الدَّوْلة بن حَمْدان، فتراسلا ثم اصطلحا، وحمل ابنُ حَمْدان مئة ألف دينار، فلما اقترب ابنُ رائق من بغداد خرج كورتكين في جيشه ليقاتله، فدخل ابن رائق بغداد من غربها، ورجع كورتكين بجيشه فدخل من شَرْقها، ثم تصافَّوا ببغداد للقتال، فساعدت العامةُ ابنَ رائق على كورتكين، فانهزم الدَّيْلم، وقُتل منهم خلْقٌ كثير، وهرب كورتكين فاختفى، واستقرَّ أمر ابن رائق على بغداد، وخلع عليه الخليفة، وركب هو وإياه في دِجْلة، وظفر ابنُ رائق بكورتكين، فأودعه السِّجْن الذي في دار الخِلافة.

قال ابن الجَوْزي: وفي يوم الجمعة الثَّاني عشر من جمادى الأولى حضر النَّاس لصلاة الجمعة بجامع براثى، وقد كان المقتدر أحرق هذا المسجد (٤) لأنه كبس، فوجد فيه جماعةٌ من الشيعة يجتمعون فيه للسبِّ والشتم، فلم يزل خرابًا حتى عمَّره بُجْكم في أيام الرَّاضي، ثم أمر المتقي بوضع منبر فيه كان عليه اسم الرَّشيد، وصلَّى الناس فيه هذه الجمعة. قال: فلم تزل تقام فيه إلى بعد سنة خمسين وأربعمئة (٥).


(١) ما بين حاصرتين من (ط).
(٢) في (ط): ورامو حريق دار البريدي، ونفرت عن البريدي طائفة من جيشه، يقال لهم البجكمية، لأنه لما قبض من الخليفة لم يعطهم منه شيئًا، وكانت من البجكمية طائفة أخرى قد أخلفت معه أيضًا وهم والديالمة قد صاروا حزبين، والتفوا مع الديالمة فانهزم البريدي من بغداد.
(٣) ما بين حاصرتين من (ط).
(٤) انظر أحداث سنة (٣١٣ هـ).
(٥) انظر المنتظم (٦/ ٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>