للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رُوي في ذلك آثار منقطعة كثيرة:

قال السهيلي: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدّثنا أبو عبد الله الصفّار، حدّثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا جرير، حدّثني أبو عبد الله المَلَطي (١) قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر قال له موسى: أوصني. قال: كُنْ نفّاعًا، ولا تكن ضَرَّارًا. كن بشّاشًا، ولا تكن غضبانَ. ارجع عن اللّجاجة، ولا تمش في غير حاجة. وفي رواية من طريق أخرى زيادة: ولا تضحك إلا من عجبٍ (٢).

وقال وهب بن مُنبه: قال الخضر: يا موسى إن الناس معذَّبون في الدنيا على قدر همومهم بها.

وقال بشر بن الحارث الحافي: قال موسى للخضر: أوصني. فقال نشر (٣) الله عليك طاعته. وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى الوَقَار (٤) إلّا أنه من الكذَّابين الكبار، قال: قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع قال الثوري: قال مجالد، قال أبو الودّاك، قال أبو سعيد الخدري: قال عمر بن الخطاب: قال قال رسول الله : "قالَ أخي مُوْسى: يا رَبّ، ذكر كلمة، فأتاه الخَضِرُ وهو فتًى طيّبُ الرِّيحِ، حَسَنُ بياضِ الثيابِ مشمِّرُها، فقال: السلامُ عليكَ ورحمةُ الله يا موسى بن عمران، إنّ ربَّك يَقْرَأ عَلَيك السلامَ. قال موسى: هو السَّلامُ وإلَيه السَّلَامُ، والحمد للهِ رَبِّ العالمينَ الذي لا أُحْصي نِعَمَهُ ولا أقْدِرُ على أداءَ شُكْرِه إلا بمعونته. ثمّ قال موسى: أريدُ أن توصيني بوصيةٍ ينفَعُني اللهُ بها بعدَك. فقالَ الخضِر: يا طالِبَ العِلْم إنّ القائِلَ أقلُّ ملامة من المستمع، فلا تملَّ جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أنَّ قلبك وعاءٌ فانظر ماذا تحشو به وعاءك. واغرف من الدنيا (٥)، وانبذها وراءك، فإنها لَيسَت لك بدار، ولا لك فيها محل قرار. وإنما جعلت بُلْغة (٦) للعباد والتزود منها ليوم المعاد. ورُضْ نفسك على الصبر تخلص من الإثم.

يا موسى تفرَّغ للعلم إنْ كنت تريدُه، فإنما العلمُ لمن تَفَرَّغ له. ولا تكن مكثارًا للعلم (٧) مهذارًا فإن


(١) المَلَطي، بفتح الميم واللام: نسبة إلى مدينة مَلَطْية من ثغور الروم. اللباب (٣/ ٢٥٤ - ٢٥٥).
(٢) في ب: ولا تضحك من غير عجب. والخبر في مختصر تاريخ دمشق (٨/ ٦٢) وزاد في آخره: ولا تعيّر امرأً بخطيئة، وابك على خطيئتك يا ابن عمران.
(٣) في ط: يسر. وكذلك في مختصر تاريخ دمشق (٨/ ٦٢).
(٤) في أ: الوتار، وفي ب الوقَّار بتشديد القاف. وفي ط: الوقاد. والوَقَار، بفتح الواو والقاف المخففة، وبعد الألف راء، قال ابن الأثير: اشتهر بهذه الصفة أبو يحيى زكريا بن يحيى بن إبراهيم بن عبد الله الوقار مولى قريش، إنما قيل له ذلك لسكونه وثباته، وهو مصري ولد سنة (١٧٤ هـ) ومات سنة (٢٥٤ هـ). اللباب (٣/ ٣٧٠).
(٥) كذا في أ و ط. وفي ب وابن عساكر: واعزف عن الدنيا.
(٦) البلغة: ما يكفي لسد الحاجة ولا يفضل عنها.
(٧) في ب: بالعلم. وفي ابن عساكر: بالمنطق.