للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم الأسعار، وأخذ فيهم الوباء، فمات كثير منهم، فكرُّوا راجعين كما قال الله تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] وكان من عزمهم أنهم يستحوذون على البلاد كلها، فرجعوا خاسئين.

وفيها كانت وقعة المجاز ببلاد صِقِليّة؛ وذلك أنه أقبل من الروم خلق كثير، ومن الفرنج ما يقارب المئة ألف، فبعث أهل صقلية إلى المعز الفاطمي يستنجدونه، فبعث إليهم بجيوشٍ كثيرة في الأسطول، فكانت بين المسلمين والمشركين وقعة عظيمة صبر فيها الفريقان من أول النهار إلى العصر، ثم قُتل أمير الرُّوم منويل، وفرَّت الروم، وانهزموا هزيمة قبيحة، فقتل المسلمون منهم خلقًا كثيرًا، وسقط الفرنج في وادٍ عميق، فهلك أكثرهم، وركب الباقون في المراكب، فبعث الأمير أحمد صاحب صِقليّة في آثارهم مراكب أخر، فقتلوا أكثر المشركين في البحر أيضًا، وغنم المسلمون في هذه الغزوة شيئًا كثيرًا من الأموال والحيوانات والأمتعة والأسلحة، فكان في جملة ذلك سيف مكتوب عليه: هذا سيف هندي، زنته مئة وسبعون مثقالًا، طالما قوتل به بين يدي رسول اللّه ، فبُعث في جملة تحف عظيمة إلى المعز الفاطمي إلى إفريقية.

وفيها قصدت القرامطة مدينة طبرية ليأخذوها من يد ابن الأخشيذ صاحب مصر والشَّام، وطلبوا من سيف الدولة أن يمدهم بحديد يتخذون منه سلاحًا، فقلع لهم أبواب الرَّقَّة - وكانت من حديد -[صامت] (١) [وأخذ لهم من حديد الناس] (٢) حتى أخذ أواقي الباعة، وأرسل بذلك كله إليهم، حتى قالوا: اكتفينا.

وفيها طلب معز الدولة من الخليفة المطيع لله أن يأذن له في دخول دار الخلافة ليتفرج فيها، فبعث خادمه وحاجبه معه، فطافوا معه فيها وهو يسرع، وخرج وقد خاف من غائلة ذلك، وخشي أن يقتل في بعض الدهاليز، فتصدَّق بعشرة آلاف شكرًا للّه ﷿ على السلامة، وازداد حبًا للخليفة المطيع لله من يومئذٍ، وكان في جملة ما رأى من العجائب بها صنم من نحاس على صورة امرأة حسناء جدًّا، وحولها أصنام صغار، وكان قد أُتي به في زمن المقتدر، فأقيم هناك ليتفرج عليه الجواري والنِّساء، فهمَّ المعز أن يطلبه من الخليفة، ثم ارتأى، فترك ذلك (٣).

وفي ذي الحجَّة من سنة ثلاث وخمسين وثلاثمئة خرج رجل بالكوفة، فادَّعى أنه علوي، وكان يتبرقع، فسمي المبرقع، وغلظت قضيته وبَعُدَ صيته، وذلك في غيبة معز الدولة عن بغداد، واشتغاله


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) ما بين حاصرتين من (ط).
(٣) انظر الخبر بتفصيل في المنتظم (٧/ ٢٠ - ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>