للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زمانه فيه، ولزم جناب سيف الدولة بن حمدان، وامتدحه وحظي عنده، ثم صار إلى مصر، فامتدح كافور الإخشيذي ثم هجاه وهرب منه، وورد بغداد، فامتدح بعض أهلها، وسمع عليه ديوانه، وقدم الكوفة، وامتدح بعض الأكابر وهو ابن العميد، فوصله من جهته ثلاثون ألف دينار، ثم سار إلى فارس فامتدح عضد الدولة بن بُوَيه، فأطلق له أموالًا جزيلة تقارب مئتي ألف دِرْهم، وقيل: بل حصل له نحو من ثلاثين ألف دينار، ثم دَسَّ إليه من يسأله: أيما أحسن، عطايا عضد الدولة بن بويه أو سيف الدولة بن حمدان؟ فقال: هذه أجزل ولكن فيها تكلُّف، وتلك أقل ولكن عن طيب نفس من معطيها؛ لأنها عن طبيعة وهذه [عن] (١) تكلف، فذكر ذلك لعضد الدولة فتغيظ عليه، ودسَّ إليه طائفة من الأعراب، فوقفوا له في أثناء الطريق وهو راجع إلى بغداد، ويقال: إنه كان قد هجا مقدِّمهم ضَبَّة الأسدي - وقد كانوا يقطعون الطريق - فلهذا أوعز إليهم عضد الدولة أن يتعرَّضوا له، فيقتلوه ويأخذوا لهم ما معه من الأموال، فانتهوا إليه وهم ستون راكبًا في يوم الأربعاء وقد بقي من رمضان ثلاثة أيام، وقيل: بل قتل في يوم الإثنين لخمسٍ بقين من رمضان، ويقال: بل كان ذلك في شعبان، وقد نزل عند عينٍ تحت شجرة إنجاص، وقد وضعت سفرته ليتغدَّى، ومعه ولده مُحَسَّد (٢) وخمسة عشر غلامًا له، فلما رآهم قال: هلموا يا وجوه العرب. فلما لم يكلِّموه أحسَّ بالشر، فنهض إلى سلاحه وخيله، فتواقفوا ساعة، فقتل ابنه مُحسَّد وبعض غلمانه، وأراد هو أن ينهزم، فقال له مولى له: أين تذهب وأنت القائل:

فاللَّيْلُ والخَيْلُ والبَيْداءُ تَعْرِفُني … والحَرْبُ والضَّرْبُ والقِرْطاسُ والقَلمُ (٣)

فقال: ويحك قتلتني. ثم كرَّ راجعًا، فطعن (٤) زعيمَ القوم برمح في عنقه فقتله، فاجتمعوا عليه فسجروه بالرِّماح حتى قتلوه، وأخذوا جميع ما كان معه من الأموال، وذلك بالقرب من النُّعْمانية، وهو آيب إلى بغداد، ودفن هناك وله من العمر ثمانٍ وأربعون سنة.

وذكر ابنُ عساكر أنه لما نزل في المنزلة التي كانت قبل منزلته هذه، سأله بعضُ الأعراب أن يعطيهم خمسين دِرْهمًا ويخفرونه، فمنعه الشحُّ والكِبْر ودعوى الشجاعة من ذلك. وقد كان المتنبي جُعْفيَّ النسب صليبة منهم، وقد ادَّعى حين كان مع بني كلب بأرض السَّماوة؛ قريبًا من حمص أنه علوي حسني، ثم ادَّعى أنه نبيٌّ، فاتبعه جماعة من جهلتهم وسفلتهم، وزعم أنه أنزل عليه قرآن فمن ذلك: والنَّجم


(١) ما بين حاصرتين من (ب) و (ط).
(٢) في (ح) و (ب) و (ط) محسن أينما ورد، وهو تحريف، والمثبت من وفيات الأعيان (١/ ١٢٥).
(٣) كذا ورد البيت في (ح) و (ب)، وفي "ديوانه" بشرح العكبري (٣/ ٣٦٩).
فالخيل والليل والبيداء تعرفني … والضرب والطعن والقرطاس والقلمُ
(٤) في (ب): فطعنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>