للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُني له فيها قصر عظيم منيف، وزخرف بأنواع الدهانات والستور، وجلس عنده رؤوس دولته وأمراؤه، وجاء القاضي، فجلس إلى جانبه، وجعل الحاضرون يثنون على هذا البناء [ويمدحونه] (١)، والقاضي ساكتٌ لا يتكلم، فالتفت إليه الملك وقال: ما تقول [أنت] (١) يا أبا الحَكم؟ فبكى القاضي، [وانحدرت دموعه على لحيته] (١) وقال: ما كنتُ أظن أن الشيطان أخزاه الله تعالى يبلغ منك (٢) هذا المبلغ [المفضح المهتك المهلك لصاحبه في الدنيا والآخرة] (٣) ولا أنك تمكنه من قيادك (٤) هذا التمكين مع ما آثرك الله به وفضَّلك [به على كثير من الناس] (٥) حين أنزلك منازل الكُفَّار، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٣٣ - ٣٥]، قال: فَوَجمَ الملك عند ذلك وبكى وقال: جَزَاك الله خيرًا، وأكثر في المسلمين مثلك (٦).

وقد قُحِطَ النَّاسُ في بعض السِّنين، فأمر الملك القاضي منذر بن سعيد البلُّوطي أن يستسقي بالنَّاس، فلما جاءته الرِّسالة بذلك ليخرج من الغد قال للرَّسول: كيف تركت الملك؟ وما حاله؟ فقال: رأيته أخشع ما يكون وأكثره دعاءً [وتضرُّعًا] (٧) فقال القاضي: رُحمتم وسُقيتم والله إذا خَشَعَ جَبَّار الأرض رَحِمَ جَبَّارُ السَّماء. ثم قال لغلامه: اخرج بالمِمْطَر معك (٨). فلما خرج النَّاس وجاء القاضي (٩) صَعِدَ المنبر والنَّاسُ ينظرون إليه يستمعون لما يقول، فلما أقبل عليهم كان أول ما خاطبهم به أن قال: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: ٥٤]، ثم أعادها [مرارًا] (١٠) فأخذ النَّاسُ في النحيب والبكاء [والتوبة] (١١) والإنابة، ولم يزالوا كذلك حتى سُقوا، ورجعوا يخوضون الماء (١٢).


(١) ما بين حاصرتين من (ب) و (ط).
(٢) في (ح) و (ب): بك، والمثبت من (ط).
(٣) ما بين حاصرتين من (ط).
(٤) في (ب) فؤادك.
(٥) ما بين حاصرتين من (ط).
(٦) انظر الكامل لابن الأثير (٨/ ٦٧٤).
(٧) ما بين حاصرتين من (ط).
(٨) في (ح): بالمنبر، وفي (ب) بالمنظر، وكلاهما تصحيف، والمثبت من الكامل لابن الأثير (٨/ ٦٧٥) والممطر والممطرة: ثوب من الصوف يلبس في المطر يتوقى به منه. اللسان (مطر).
(٩) في (ط): ثم قال لغلامه: ناد في الناس الصلاة، فجاء الناس إلى محل الاستسقاء، وجاء القاضي.
(١٠) ما بين حاصرتين من (ب) و (ط).
(١١) ما بين حاصرتين من (ب) و (ط).
(١٢) الكامل (٨/ ٦٧٤ - ٦٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>