الحنابلة ورعاعهم منعوا من دفنه نهارًا، ونسبوه إلى الرفض، ومن الجهلة من رماه بالإلحاد، وحاشاه من ذلك كله، بل كان أحد أئمة الإسلام علمًا وعملًا بكتاب اللَّه وسنة رسوله ﷺ، وإنما تقلَّدوا ذلك عن أبي بكر محمد بن داود الفقيه الظاهري، حيث كان يتكلم فيه ويرميه بالعظائم والرفض. ولما توفي اجتمع الناس من سائر أقطار بغداد، وصلُّوا عليه بداره، ودُفن فيها، ومكث الناس يتردّدون إلى قبره شهورًا يُصلُّون عليه، وقد رأيت له كتابًا جمع فيه أحاديث "غدير خم" في مجلدين ضخمين، وكتابًا جمع فيه طريق "الطير"(١).
- نقده لابن خلكان: وقال ابن كثير في ذكر حوادث سنة ٢٩٨ هـ ترجمة ابن الراوندي، فقال:"أحد مشاهير الزنادقة، كان أبوه يهوديًا فأظهر الإسلام، ويقال إنه حرَّف القرآن، كما عارض ابنه القرآن بالقرآن وألحدَ فيه، وصنف كتابًا في الردِّ على القرآن سمَّاه "الدامغ" وكتابًا في الردِّ على الشريعة والاعتراض عليها سمَّاه "الزمردة" وكتابًا يُقال له "التاج" في معنى ذلك. . ".
ثم قال:"وقد ذكره ابن خلكان في "الوفيات" وقلس عليه، ولم يخرجه بشيء، ولا كأن الكلب أكل له عجينًا، على عادته في العلماء والشعراء، فالشعراء يطيل تراجمهم، والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة، والزنادقة يترك ذكر زندقتهم. وأرَّخ ابن خلكان تاريخ وفاته في سنة ٢٤٥ هـ، وقد وهم وهمًا فاحشًا، والصحيح أنه توفي في هذه السنة، كما أرَّخه ابن الجوزي وغيره".
- نقده للخطيب البغدادي: قال ابن كثير ﵀ في "البداية والنهاية"(١٠/ ٣٣٥): قال الخطيب في بناء أبي جعفر المنصور لمدينة بغداد: "وبناها مدوَّرة، ولا يعرف في أقطار الأرض مدينة مدوَّرة سواها، ووضع أساسها في وقت اختاره له "نوبخت" المُنجِّم. ثم ذكر عن بعض المنجِّمين قال: قال لي المنصور لما فرغ من بناء بغداد: خذ الطَّالع لها، فنظرتْ في طالعها -وكان المشتري في القوس- فأخبرته بما تدلُّ عليه النجوم، من طول زمانها، وكثرة عمارتها، وانصباب الدنيا إليها، وفقر الناس إلى ما فيها. قال: ثم قلتُ له: وأُبثرك يا أمير المؤمنين أنه لا يموتُ فيها أحدٌ من الخلفاء أبدًا. قال: فرأيته يبتسم، ثم قال: الحمدُ للَّه، ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. وذكر عن بعض الشعراء أنه قال في ذلك شعرًا، منه:
قضى ربُّها أن لايموت خليفةٌ … بها إنه ما شاء في خلقه يقضي
وقد قرَّره على هذا الخطأ الخطيب، وسلم ذلك ولم ينقضه بشيء، بل قرَّره مع اطلاعه ومعرفته!! ".
• قراءة صحيح البخاري ومسلم: في ستة مدارس، وفي دور بعض الأمراء، وفي أماكن
(١) أبو جعفر الطبري اثنان، الأول هو الإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير، والثاني من الروافض واسمه أيضًا محمد بن جرير بن رستم، ألف كتبًا كثيرة في ضلالتهم انظر سير أعلام النبلاء (١٤/ ٢٦٧) و (١٤/ ٢٨٢).