للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: إن ذلك كان عن أمر شمويل، حتى قال بعضهم: إنه ولّاه قبل الوقعة. قال ابن جرير: والذي عليه الجمهور أنه إنما ولي ذلك بعد قتل جالوت والله أعلم (١).

وروى ابن عساكر، عن سعيد بن عبد العزيز أن قتله جالوت كان عند قصر أم حكيم، وأن النهر الذي هناك هو المذكور في الآية. فالله أعلم.

وقال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ: ١٠ - ١١].

وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٧٩ - ٨٠].

أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصّن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها فقال: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ أي: لا تُدِقَّ المسمارَ فيقلق (٢) ولا تُغلظه فيفصم. قاله مجاهد وقتادة والحكم وعكرمة (٣).

قال الحسن البصري، وقتادة، والأعمش: كان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة. قال قتادة: فكان أول من عمل الدروع من زرد، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح.

قال ابن شوذب: كان يعمل كلّ يومٍ درعًا يبمِعها بستة آلاف درهم. وقد ثبت في الحديث أن أَطْيَبَ ما أكل الرجل من كسبه، وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده (٤).

وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ١٧ - ٢٠].

قال ابن عباس ومجاهد: الأيد: القوة في الطاعة، يعني كان ذا قوة في العبادة والعمل الصالح. قال قتادة: أُعطي قوةً في العبادة، وفقهاً في الإسلام. قال: وقد ذُكر لنا أنه كان يقوم الليل، ويصوم نصفَ الدهر.

وقد ثبت في "الصحيحين" أن رسول الله قال: "أَحَبُّ الصَّلاةِ إلى اللهِ صَلَاةُ دَاودَ وأَحَبُّ الصِّيامِ


(١) تاريخ الطبري (١/ ٤٧٨).
(٢) في ط: فيغلق. وهو تصحيف. والقلق: الاضطراب وعدم الثبات.
(٣) في ب: وغيرهم. وهناك عدة أقوال في تفسير الطبري (٢٢/ ٤٧).
(٤) الحديث عند البخاري برقم (٢٠٧٢) في البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده. وفي الباب أحاديث أخرى. جامع الأصول (١٠/ ٥٧٠).