[الشاب] كان يطلب العلم في مجالس المشايخ [فلما بلغه عن ابن كليب ما قال فيه] استحيا من الناس، وانقطع في داره فلا يجتمع بأحد من الناس، فازداد غرام ابن كُلَيب به حتى مرض من ذلك مرضًا شديدًا، عاده الناس منه، وكان في جملة من عاده بعض المشايخ [من العلماء] فسأله عن مرضه فقال: أنتم تعلمون دائي ودوائي، لو زارني أسلم ونظر إليّ نظرة [ونظرته نظرة] واحدة برئت، وإلا فأنا هالك، فرأى ذلك الشيخ من المصلحة أن لو دخل على [أسلم] وسأله أن يزوره ولو مرة واحدة مختفيًا، فلم يزل به حتى [أجابه إلى زيارته] فانطلقا إليه، فلمّا دخلا دربه [ومحلّته] تغيّر الغلام واستحيا من الدخول [عليه، وقال للرجل العالم: لا أدخل عليه وقد ذكرني ونوّه باسمي، هذا مكان ريبة وتهمة، وأنا لا أحب أن أدخل مداخل التهم] فحرص به الرجل كلّ الحرص ليدخل عليه فأبى [عليه فقال له: إنّه ميّت لا محالة، فإذا دخلت عليه أحييته، فقال: يموت، وأنا لا أدخل مدخلًا يسخط اللَّه عليّ ويغضبه، وأبى أن يدخل، وانصرف راجعًا إلى دارهم، فدخل الرجل فذكر له ما كان من أمره، وقد كان غلام ابن كُلَيب قد دخل إليه [قبل ذلك] فبشّره بقدوم أسلم عليه، ففرح بذلك جدًا، فلما تحقّق رجوعه [عنه] اختلط كلامه، واضطرب في نفسه، ثمّ قال لذلك الرجل: اسمع يا عبد اللَّه مني، واحفظ عنّي، ثمّ أنشأ يقول:
أسلمُ يا رَاحةَ العَليلِ … رِفْقًا على الهائِمِ النَّحِيلِ
وَصْلُكَ أشْهَى إلى فُؤادي … مِنْ رحمةِ الخالقِ الجَليلِ
فقال له الرجل:[ويحك] اتقِ اللَّه تعالى! ما هذه العظيمة. فقال: قد كان [ما سمعت]، فخرج الرجل من عنده، فما توسط الدَّرب حتى سمع الصراخ عليه [وسمع صيحة الموت] وقد فارق الدنيا، وهذه مذلَّةٌ شنعاء، وعظيمةٌ صلعاء، وداهية دهياء، ولولا أنّ هؤلاء الأئمة ذكروها لما ذكرتها، ولكن فيها عبرة لأولي الألباب، وتنبيه لذوي [البصائر و] العقول، أن يسألوا اللَّه رحمته ولطفه بهم، [وأن يستعيذوا باللَّه من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقهم حسن الخاتمة]، وأن يثبّتهم على الخير والإسلام والسنّة عند الممات، إنّه كريم جواد.
قال الحميدي: وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن التميمي لأحمد بن كُليب، وقد أهدى إلى أسلم كتاب "الفصيح" لثعلب وكتب عليه:
هذا كِتابُ الفَصِيحِ … بِكلِّ لَفْظٍ مَليحِ
وَهَبْتُه لَكَ طَوْعًا … كَما وَهَبْتُك رُوحي
الحسن بن أحمد (١) بن إبراهيم بن الحسن بن شَاذَان بن حرب بن مهران أبو علي بن شاذان البَزّاز،
(١) تاريخ بغداد (٧/ ٢٧٩)، المنتظم (٨/ ٨٦)، الكامل في التاريخ (٩/ ٤٤٥)، الجواهر المضية (٢/ ٣٨)، =