للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾. أي: وإن له يوم القيامة لزلفى، وهي القربة التي يقربه الله بها ويدنيه من حظيرة (١) قدسه بسببها، كما ثبت في الحديث: "المُقْسِطُوْنَ على مَنَابِرَ مِنْ نُوْرٍ عَنْ يَمِيْنِ الرَّحْمنِ، وَكِلْتَا يديه يمينٌ، الذين يُقْسِطون في أَهليهم وحكمِهم وما وَلوا" (٢).

وقال الإمام أحمد في " مسنده ": حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا فضيل، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "إنَّ أَحَبَّ النَاسِ إلى اللهِ يَوْمَ القِيامة وأَقْرَبَهُم مِنْه مَجْلِساً إمامٌ عَادِلٌ، وإنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إلى اللهِ يَوْمَ القِيَامَة (٣) وأشَدَّهُم عَذابًا إمامٌ جَائِرٌ" (٤).

وهكذا رواه الترمذي من حديث فضيل بن مرزوق الأغرّ، به. وقال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عبد الله بن أبي زياد، حدّثنا سيّار، حدّثنا جعفر بن سليمان سمعت مالك بن دينار في قوله: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ قال: مقام داود يوم القيامة عند ساق العرش، ثم يقول الله: يا داود مجَّدْني اليومَ بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنتَ تمجَّدني به في الدنيا. فيقول: وكيف وقد سلبته؟ فيقول: إني أرده عليك اليومَ. قال: فيرفع داود بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان.

﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٢٦].

هذا خطاب من الله تعالى مع داود، والمرادُ ولاة الأمور وحُكّام الناس، وأمرهم بالعدل واتِّباع الحق المنزّل من الله لا ما سواه من الآراء والأهواء، وتوعّد من سلك غير ذلك وحكم بغير ذلك، وقد كان داود هو المقتدى به في ذلك الوقت (٦) في العدل وكثرة العبادة وأنواع القربات، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلاً ونهاراً، كما قال تعالى ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣]

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام، حدّثنا صالح المُرَّي، عن


(١) في أ وب: حضيرة .. وحظيرة القدس: الجنة. اللسان.
(٢) أخرجه مسلم رقم (١٨٢٧) في الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر. وفي لفظه اختلاف يسير.
(٣) من قوله: وأقربهم منه .. إلى هنا سقط من ب.
(٤) المسند (٣/ ٢٢ و ٥٥).
(٥) الترمذي رقم (١٣٢٩) في الأحكام، باب ما جاء في الإمام العادل.
(٦) في ب: الزمان.