للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستوصى نائبها بالخليفة خيرًا، قال له: ارفق بذاك الشيخ فإنّه صاحبنا، ثمّ إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام [وأهله] ميلة واحدة، فاستعادوه من أيدي المسلمين، واستنقذوه فيما يزعمون، والقدر يقول: لعمرك إنَّهم لفي سكرتهم يعمهون. فالتقاه السلطان ألب آرْسلان في جيشه، وهم قريب من عشرين ألفًا بمكان يقال له: الرَّهوة (١)، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف [السلطان] من كثرة [جند] المشركين، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال، حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين، فلمّا [كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان و] تواجه الفتيان، نزل السلطان عن فرسه، وسجد [للَّه ﷿]، ومرّغ وجهه في التراب، ودعا اللَّه تعالى واستنصره، فأنزل اللَّه نصره على المسلمين، ومنحهم أكتاف المشركين، فقتلوا منهم خلقًا لا يُحصون كثرة، وأسر ملكهم أرمانوس، أسره غلام روميّ، فأمَّره السلطان وأعطاه شيئًا كثيرًا، وقد كان هذا الغلام عُرض على نظام الملك الوزير في جملة تقدمة فلم يقبله، فقال له سيّده: إنّه وإنّه. . -يثني عليه- فردّه وقال كهيئة المستهزئ به: لعلّه يجيئنا بملك الروم أرمانوس أسيرًا؛ فوقع الأمر كما قال، وللَّه الحمد والمنّة، فلمّا وقف أرمانوس بين يدي الملك ألب آرْسَلان ضربه بيده ثلاث مقارع، وقال: لو كنت أنا الأسير بين يديك، ماذا كنت تفعل؟ قال: كلَّ قبيحٍ. قال: فما ظنّك بي؟ قال: [إمّا أن] تقتلني، أو تشهرني في بلادك، وإمّا العفو وأخذ الفداء فتعيدني. فقال: ما عزمت على غير العفو والفداء، فافتدى نفسه منه بألف ألف دينار وخمسمئة دينار، وأن يطلق كلّ أسير في بلاد الروم وعلى هدنة خمسين سنة، يحمل فيها عن كلّ يوم ألف دينار، وقام بين يدي الملك فسقاه شربة، وقبّل الأرض بين يديه، وإلى نحو جهة الخليفة إجلالًا وإكرامًا، فأطلق له الملك عشرة آلاف دينار ليتجهّز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة من أصحابه وشيّعه فرسخًا، وأرسل معه جيشًا يخدمونه ويحوطونه ويحفظونه إلى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه. فلمّا انتهى إلى بلاده وجد الروم قد ملَّكوا عليهم غيره، فأرسل إلى السلطان يعتذر إليه وبعث من الذهب والجوهر ما يقارب ثلاثمئة ألف دينار، وتزهّد ولبس الصوف، ثمّ استضاف ملك الأرمن فأخذه فكحله، وأرسل إلى السلطان فأعلمه بذلك، يتقرّب إليه به.

وفيها: خطب صاحب حلب محمود بن صالح بن مِرداس للقائم بأمر اللَّه وللسلطان ألب آرْسَلان معه، فبعث إليه الخليفة بالخلع [والهدايا والتحف] والعهد مع الشريف طِرادٍ الزّينبي.

وفيها: حجّ بالناس نور الهدى أبو الغنائم العلوي، وخُطِبَ بمكّة للخليفة القائم بأمر اللَّه، وقطعت


(١) في (ط): الزهوة. خطأ. و"رَهْوَة": صحراء قرب خلاط، وقد ذكر معظم المؤرخين: أن الوقعة كانت في منازجرد، وهي بلد مشهور بين خلاط وبلاد الروم، يعد في أرمينية، وأهله يقولون منازكرد، بالكاف. معجم البلدان (٥/ ٢٠٢)، وقد تحرفت في الكامل (١٠/ ٥٦) إلى: ملازكرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>