للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على البساط، لأنه لو كان كذلك لم ينل النملَ منه شيء ولا وطْء؛ لأن البساط كان يكون عليه جميع ما يحتاجون إليه من الجيوش والخيول والجمال والأثقال والخيام والأنعام، والطير من فوق ذلك كله، كما سنبينه بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

والمقصود أن سليمان فهم ما خاطبت به تلك النملة لأُمَّتها من الرأي السديد والأمر الحميد، وتبسّم من ذلك على وجه الاستبشار والفرح والسرور بما أطلعه الله عليه دون غيره. وليس كما يقوله بعض الجهلة من أن الدواب كانت تنطق قبل سليمان، وتخاطب الناس، حتى أخذ عليهم سليمان بن داود العهدَ، وألجمها، فلم تتكلّم مع الناس بعد ذلك، فإن هذا لا يقوله إلا الذين لا يعلمون، ولو كان هذا هكذا، لم يكن لسليمان في فهم لغاتها مزية على غيره، إذ قد كان الناس كلّهم يفهمون ذلك، ولو كان قد أخذ عليها العهد أن لا تتكلم مع غيره وكان هو يفهمها، لم يكن في هذا أيضاً فائدة يعوّل عليها (١). ولهذا قال: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ أي ألهمني وأرشدني ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾. فطلب من الله أن يقيّضه للشكر على ما أنعم به عليه، وعلى ما خصّه به من المزيّة على غيره، وأن ييسّر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصالحين. وقد استجاب الله تعالى له.

والمراد بوالديه: داود وأمه، وكانت من العابدات الصالحات، كما قال سُنيد بن

داود، عن يوسف بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر، عن النبي قال: "قالَتْ أمُّ سُلَيمان بنِ داودَ: يا بُنيَّ لا تُكْثرِ النَوْمَ باللَّيلِ، فإن كَثرةَ النومِ بالليلِ تَدَعُ العبدَ فَقِيراً يومَ القِيامة". رواه ابن ماجه (٢) عن أربعة من مشايخه، عنه، به، نحوه.

وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن الزُّهري: إن سليمان بن داود خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأى نملة قائمةً رافعة إحدى قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سُقيتم، إن هذه النملة استسقت فاستُجيب لها.

قال ابن عساكر (٣): وقد رُوي مرفوعاً، ولم يذكر فيه سليمان، ثمّ ساقه من طريق محمد بن عزيز، عن سلامة بن روح بن خالد، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدّثني أبو سلمة عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله


(١) ورد مثل هذا في تفسيره (٣/ ٣٥٨).
وزاد هنا في ب: فأما الحديث الذي رواه الطبراني من طريق زيد بن بكر بن حبيش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود أنهم عرضوا رقبة الحمار على رسول الله بسم الله سحنة قرنبة ملحة بحر قمطا فقال: هذه مواثيق أخذها سليمان بن داود على الهوام، ولا أرى بها بأساً. فإنه حديث غريب ولا يخلو من نكارة. والله أعلم. وبتقدير صحته أخذ على الهوام، وهي ذوات السموم، وكانت العهود والمواثيق أنه لا تؤذين أحداً من البشر، وليس المراد أن لا تخاطبي أحداً.
(٢) سنن ابن ماجه رقم (١٣٣٢) في إقامة الصلاة، باب ما جاء في قيام الليل، وإسناده ضعيف.
(٣) تاريخه (٢٢/ ٢٨٨).