للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزال يسقيه من [العسل] وأمثاله حتى يستجيب له، ويصير أطوع له من أبيه وأمّه. ويُظهر له أشياء كثيرة من المخرقة والنيرنجيات والحيل التي لا تروج إِلَّا على الجهّال، حتى التفّ عليه بشر كثير وجمّ غفير، وقد بعث إليه الملك ملك شاه يتهدَّده ويتوغده وينهاه (عن بعثة الفداويّة إلى العلماء) [وبعث إليه بفتاوى العلماء] فلما قرأ الكتاب بحضرة الرسول قال لمن حضره من الشباب: إني أريد أن أرسل منكم رسولًا إلى مولاه، فاشرأبَّت وجوه الحاضرين منهم، ثُمَّ قال لشاب منهم: اقتل نفسك، فأخرج سكّينًا فضرب بها غلصمته، فسقط ميتًا، وقال لآخر منهم: ألْقِ نفسك من هذا الموضع، فرمى بنفسه من رأس القلعة إلى أسفل خندقها فتقطّعه، فقال لرسول [السلطان]: هذا الجواب، فمنها امتنع السلطان من مراسلته، هكذا أورده ابن الجوزي (١)، وسيأتي: أن الملك صلاح الدين [يوسف بن أيوب] فاتح بيت المقدس جرى له مع سنان (٢) صاحب قلاع الألموت (٣) مثل هذا.

وفي شهر رمضان أمر الخليفة المستظهر باللّه بفتح جامع القصر، وأن يُبيَّضَ، وأن يُصلّى فيه التراويح، وأن يُجهر بالبسملة، وأن يُمنع النِّساء من الخروج ليلًا للفرجة.

وفي أول هذه السَّنة دخل السلطان بركياروق إلى بغداد، ثمّ لحقه أخواه محمد وسنجر، فدخلاها

وهو مريض، فعبرا إلى الجانب الغربي، فقطعت خطبته، وخُطبَ لهما بها، وهرب بركيارودق إلى واسط، ونهب جيشه ما اجتازوا من البلاد والأراضي، فنهاه بعض العلماء عن ذلك ووعظه فلم يُفد شيئًا.

وفي هذه السنة ملكت الفرنج قلاعًا كثيرة منها: قيساريّة (٤)، وسَرُوج (٥)، وسار ملك الفرنج - وهو الذي أخذ بيت المقدس - كندبري (٦) إلى عكا فحاصرها، فجاءه سهم في عنقه فمات من فوره. ألا لعنة اللّه عليه وعلى أجناده.


(١) المنتظم (٩/ ١٢١).
(٢) من هنا حتى قوله: ثم دخلت سنة خمس وتسعين. ساقط من (ب)، وسنان هذا هو مقدم الإسماعيلية، كان بينه وبين صلاح الدين حروب ومراسلات منذ سنة سبعين وخمسمئة وما بعدها.
(٣) في الأصل: الأكوب، وفي (ط): الإيوان. وكلاهما خطأ، وما أثبته من الكامل في التاريخ.
(٤) قيسارية: مدينة كبيرة عظيمة في بلاد الروم، وهي كرسي مُلْك بني سلجوق ملوك الروم أولاد قليج أرسلان. معجم البلدان (٤/ ٤٢١).
(٥) "سَرُوج": بلدة قريبة من حرّان من ديار مضر، تم فتحها صلحًا سنة ١٧ في أيام عمر . معجم البلدان (٣/ ٢١٦).
(٦) هكذا في النسح، ويكتب: "كندفري" و"كندهري" وهو كودفري دي بويون (بشار).

<<  <  ج: ص:  >  >>