للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسرائيل، من علمائهم، وقيل: إنه سليمان، وهذا غريب جداً. وضعفه السُّهَيْلي بأنه لا يصح في سياق الكلام، قال: وقد قيل فيه قول رابع وهو جبريل: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ قيل معناه قبل أن تبعث رسولاً إلى أقصى ما ينتهي إليه طرفك من الأرض ثم يعود إليك. وقيل: قبل أن يصل إليك أبعد من تراه من الناس. وقيل: قبل أن يكلَّ طرفك إذا أدمت النظر به قبل أن تطبق جفنك. وقيل: قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته وهذا أقرب ما قيل.

﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ﴾ أي: فلما رأى عرش بلقيس مستقراً عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ أي: هذا من فضل الله عليّ وفضله على عبيده ليختبرهم على الشكر أو خلافه ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ أي: إنما يعود نفع ذلك عليه ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ أي: غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين.

ثم أمر سليمان أن يُغَيَّر حُليُّ هذا العرش ويُنكَّر لها ليختبر فهمها وعقلها، ولهذا قال: ﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ وهذا من فطنتها وغزارة فهمها، لأنها استبعدت أن يكون عرشَها؛ لأنها خلَّفته وراءَها بأرض اليمن، ولم تكن تعلم أن أحداً يقدر على هذا الصنيع العجيب الغريب. قال الله تعالى إخباراً عن سليمان وقومه: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ أي: ومنعها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله اتباعاً لدين آبائهم وأسلافهم لا لدليل قادهم إلى ذلك ولا حداهم على ذلك.

وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج، وعمل في ممرَّه ماء، وجعل عليه سقفاً من زجاج، وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء، وأُمِرت بدخول الصرح وسليمان جالس على سريره فيه ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وقد قيل: إن الجن أرادوا أن يبشعوا منظرها عند سليمان، وأن تُبدي عن ساقيها ليرى ما عليها من الشعر فينفره ذلك منها، وخشوا أن يتزوجها لأن أمَّها من الجان فتتسلط عليهم معه.

وذكر بعضهم أن حافرها كان كحافر الدابة، وهذا ضعيف. وفي الأول أيضاً نظر. والله أعلم. إلا أن سليمان قيل: إنه لما أراد إزالته حين عَزَم على تَزَوُّجها سألَ الإنس عن زواله فذكروا له الموسى، فامتنعت من ذلك، فسأل الجان فصنعوا له النُّوْرَة (١) ووضعوا له الحمَّام، فكان أول من دخل الحمَّام، فلما وجد مَسَّه قال: أوَّه من عذاب أوَّه، أوَّه (٢) قبل أن لا ينفع أوَّه. رواه الطبراني مرفوعاً وفيه نظر.

وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سليمان لما تزوجها أَقرَّها على مملكة اليمن وردّها إليه، وكان يزورها في


(١) النورة: أخلاط تضاف على الكلس من زرنيخ وغيره، ويستعمل لإزالة الشعر.
(٢) في ب: أواه من عذاب أواه أواه ..