للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لسليمان الريح عاصفة ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ [الأنبياء: ٨١، ٨٢].

وقال في سورة ص: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [٣٦ - ٤٠].

لما تَرَكَ الخَيلَ ابتغاء وجه الله عوَّضه الله منها الريح التي هي أسرع سيراً وأقوى وأعظم ولا كلفة عليه لها، تجري بأمره رُخاءً ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ أي: حيث أراد من أيَّ البلاد. كان له بساط يركبُ عليه من أخشاب (١)، بحيث إنه يسع جميع ما يحتاج إليه من الدور المبنية والقصور والخيام والأمتعة والخيول والجمال والأثقال والرجال من الإنس والجان، وغير ذلك من الحيوانات والطيور، فإذا أراد سفراً أو مستنزهاً أو قتالَ ملك أو أعداءً من أي بلاد الله شاء، فإذا حمل هذه الأمور المذكورة على البساط أمر الريحَ فدخلت تحته فرفعته، فإذا استقل بين السماء والأرض أمر الرُّخاء (٢) فسارت به، فإن أراد أسرع من ذلك أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون فوضعته في أي مكان شاء، بحيث إنه كان يرتحل في أول النهار من بيت المقدس فتغدو به الريح فتضعه بإصطخر، مسيرة شهر، فيقيم هناك إلى آخر النهار ثمّ يروح من آخره فترده إلى بيت المقدس، كما قال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٢، ١٣]

قال الحسن البصري: كان يغدو من دمشق فينزل بإصطخر فيتغدّى بها ويذهب رائحاً منها فيبيت بكابُل، وبين دمشق وبين إصطخر مسيرةُ شهر، وبين إصطخر وكابُل مسيرة شهر (٣).

قلتُ: قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان أن إصطخر بنتها الجان لسليمان، وكان فيها قرار مملكة الترك قديماً، وكذلك غيرها من بلدان شتى كتدمر وبيت المقدس، وبابُ جيرون وباب البريد (٤) اللذان بدمشق، على أحد الأقوال.

وأما القِطْر (٥) فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد: هو النحاس، وقال قتادة: وكانت باليمن أنبعها الله له. قال السدي: ثلاثة أيام فقط أخذ منها جميع ما يحتاج إليه للبنايات وغيرها.


(١) كذا في ب. وفي أ: مركب في أخشاب وفي ط: مركب من أخشاب. تفسير الطبري (٢٢/ ٤٨).
(٢) أورد الطبري الأقوال في تفسير الريح الرخاء، وفيها: السريعة الطيبة، والمطيعة. (٢٣/ ١٠٣).
(٣) تفسير الطبري (٢٢/ ٤٨).
(٤) في ب: باب التومة.
(٥) في ب: عين القطر.