للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى صاروا كباشاً ينطح بعضُها بعضًا، فيا ويلَهم ثمّ يا ويلهم، إنّما أُكرم من يكرمني (١)، وأُهين من هان عليه أمري. إنَّ من كان قبل هؤلاء القوم من القرون يستخفون بمعصيتي، وإن هؤلاء القوم يتبرَّعون بمعصيتي تبرُّعاً، فيُظهرونها في المساجد والأسواق وعلى رؤوس الجبال وظلال الأشجار، حتى عجَّت السماء إليَّ منهم، وعجَّت الأرض والجبال، ونفرت منها الوحوش بأطراف الأرض وأقاصيها، وفي كل ذلك لا ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب.

قال: فلما بلَّغهم أرميا رسالة ربهم، وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب، عصَوه وكذبوه واتهّموه وقالوا: كذبت وأعظمت على الله الفرية، فتزعم أن الله مُعطل أرضه ومساجدَه من كتابه وعبادته وتوحيده، فمن يعبده حين لا يبقى له في الأرض عابدٌ ولا مسجدٌ ولا كتاب؟! لقد أعظمت الفرية على الله واعتراك الجنون. فأخذوه وقيَّدوه وسجنوه. فعند ذلك بعث الله عليهم بختَ نصر، فاقبل يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم، لْم حاصرَهم فكان كما قال تعالى: ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ﴾.

قال: فلما طال بهم الحصر نزلوا على حُكمه، ففتحوا الأبوابَ وتخلَّلوا الأزِقة، وذلك قوله: ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ﴾، وحكم فيهم حُكم الجاهلية، وبطْشَ الجبّارين، فقتل منهم الثلثَ، وسبى الثلثَ، وترك الزَّمْنَى والشيوخَ والعجائز، ثم وطِئهم بالخيل، وهدم بيت المقدس، وساق الصبيان، وأوقف النساء في الأسواق محسرات (٢)، وقتل المقاتل وخرَّب الحصون، وهدمَ المساجد، وحرقَ التوراة، وسأل عن دانيال الذي كان قد كتب له الكتاب فوجدوه قد ماتَ، وأخرج أهلُ بيته الكتاب إليه وكان فيهم دانيال بن حزقيل الأصغر (٣) وميشائيل وعزرائيل وميخائيل فأمضى لهم ذلك الكتاب. وكان دانيال بن حزقيل خلفاً من دانيال الأكبر، ودخل بخت نصر بجنوده بيتَ المقدس، ووطئ الشامَ كلَّها، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم.

فلما فرغ منها انصرف راجعاً وحمل الأموال التي كانت بها، وساق السبايا فبلغ معه عدة صبيانهم من أبناء الأحبار والملوك تسعين ألفَ غلامٍ، وقذف الكناسات في بيت المقدس، وذبح فيه الخنازير. وكان الغلمان سبعة آلاف غلام من بيت داود، وأحدَ عشرَ ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه بنيامين، وثمانية آلاف من سبط إيشا بن يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من سبط زيالون ونفتالي ابني يعقوب، وأربعةَ عشر ألفاً من سبط دان بن يعقوب وثمانية آلاف من سبط يستاخر بن يعقوب (٤) وألفين من سبط زيالون بن


(١) في ب وط: أكرمني.
(٢) في ب وط: حاسرات.
(٣) في ب: دانيال الأصغر ابن حزقيل.
(٤) من قوله: وثمانية آلاف .. إلى هنا زيادة من ب وط.