للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتفق أنه لما استقر أمر الملك صلاح الدين، رسم بالخطبة لبني العباس عن مرسوم الملك نور الدين له بذلك لمعاتبة (١) الخليفة المستنجد إِياه قبل وفاته في ذلك، وكان العاضد إِذ ذاك مريضًا مدنفًا، فكانت وفاته في يوم عاشوراء، فحضر الملك صلاح الدين جنازته وشهد عزاءه، وبكى عليه وتأسف، وظهر منه حزن كثير عليه (٢). وقد كان مطيعًا له فيما يأمره به، وكان العاضد كريمًا جوادًا ممدَّحًا سامحه الله.

ولما مات استحوذ الملك صلاح الدين على القصر بما فيه، وأخرج منه أهل العاضد إِلى دار أفردها لهم، وأجرى عليهم النفقات والأرزاق الهنية، والعيشة الرضية، عوضًا عما فاتهم من الخلافة. وكان صلاح [الدين] (٣) يتندَّم على إِقامة الخطبة [لبني العباس] (٤) بمصر قبل وفاة العاضد، وهلّا صبر بها إِلى ما بعد وفاته (٥)، ولكن كان ذلك قدرًا مقدورًا، وفي الكتاب مسطورًا.

ومما نظمه العماد الكاتب (٦) في ذلك (٧): [من المنسرح]

تُوُفّيَ العاضِدُ الدَّعِيُّ فَما … يَفْتَحُ ذو بدْعَةٍ بمصْرَ فَما

وَعَصْرُ (٨) فِرْعَوْنِها انْقَضَى وغدا … يُوسُفُها في الأُمورِ مُحْتَكِما

وَانْطَفَأَتْ (٩) جَمْرَةُ الغُواةِ وَقَدْ … باحَ (١٠) من الشِّرْكِ كُلُّ ما اضْطَرَما

وَصَارَ شَمْلُ الصَّلاحِ مُلْتَئِمًا … بِها وعَقْدُ السَّدادِ مُنْتَظما

لَمّا غدا مُعْلِنًا (١١) شِعارَ بني الـ … ـعَبّاسِ حَقًّا والباطِل اكتتما

وبَاتَ داعي التَّوْحِيدِ مُنْتَصِرًا … وَمِنْ دُعاةِ الإشْراكِ مُنْتَقِما

وَظَلَّ أَهْلُ الضَّلالِ في ظُلَلٍ … دَاجِيَةٍ مِنْ غيابةٍ وَعَمَى

وَارْتَبَكَ (١٢) الجاهلون في ظُلَمٍ … لَمّا أضَاءَتْ مَنَابِرُ العلما


(١) رواية الخبر مختلفة عما هنا في ط.
(٢) أ، ب: وتأسف عليه وظهر منه حزن.
(٣) ليست في الأصول.
(٤) أ، ب: العباسية.
(٥) أ، ب: وفاته.
(٦) ليس في ط.
(٧) الأبيات في ديوان العماد (٣٧٦ - ٣٧٧) والروضتين (١/ ١٩٥).
(٨) أ: وبمصر. ولا يستوي بها الوزن.
(٩) ط: قد طفئت.
(١٠) داخ.
(١١) أ: معلمًا. ب: متعلمًا، ط: مشعرًا، وما هنا عن الديوان والروضتين.
(١٢) أ: وارتكب، ط: وارتكس.

<<  <  ج: ص:  >  >>