للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): وكان سبب ذلك أن أسد الدين شيركوه بن شاذي كان قد عظم شأنه عند نور الدين حتى صار كأنه شريكه (٢) في المملكة، واقتنى الأملاك (٣) والأموال والمزارع والقرى. وكان ربما ظلم نوابُه جيرانَهم في الأراضي (٤)، وكان القاضي كمال الدين ينصف كل من استعداه (٥) على جميع الأمراء إِلا أسد الدين هذا، فما كان يهجم عليه، فلما ابتنى نور الدين دار العدل تقدم أسد الدين إِلى نوابه ألا يَدَعُوا لأحد عنده ظلامة، وإِن كانت عظيمة (٦)، فإِن زوال ماله عنده أحب إِليه من أن يراه نور الدين بعين ظالم أو يوقفه مع خصم (٧) من العامة، ففعلوا ذلك، فلما جلس نور الدين بدار العدل مدة متطاولة، ولم ير أحدًا يستعدي (٨) على أسد الدين، فسأل القاضي عن ذلك، فأعلمه بصورة الحال، فسجد نور الدين عند ذلك شكرًا لله، وقال: الحمد لله الذي أصحابنا (٩) ينصفون من أنفسهم.

وأما شجاعته فكان يقال: إِنه لم ير على ظهر الفرس أحسن ولا أثبت منه. وكان يحسن اللعب بالكرة، وربما ضربها ثم يسوق وراءها ويأخذها من الهواء بيده، ثم يرميها إِلى آخر الميدان، ولم يُرَ جوكانه يعلو على رأسه، ولا يرى الجوكان في يده، لأنّ الكم ساتر لها، ولكنه استهانة بلعب الكرة.

وكان شجاعًا، صبورًا في الحرب، يضرب به المثل في ذلك.

وكان يقول: قد تعرّضت للشهادة غير مرة، فلم يتّفق لي ذلك (١٠)، فقال له يومًا الفقيه قطب الدين النيسابوري (١١): بالله يا مولانا السلطان لا تخاطر بنفسك، فإِنك لو قُتلت قتل جميع من معك وأُخذت البلاد (١٢)، فقال: اسكت يا قطب الدين، فإِن قولك إِساءة أدب مع الله ومن هو محمود؟ من كان يحفظ الدين قبلي غير الله الذي لا إِله إِلا هو؟ قال: فبكى من حضر (١٣). .


(١) ليست في ط.
(٢) أ، ب: شريك.
(٣) بعدها في أ: والأولاد.
(٤) بعدها في ط: والأملاك العدل.
(٥) في أ: استدعاه.
(٦) أ، ب: وإِن كان عظيمًا.
(٧) ب: خصمه.
(٨) أ: يستدعي على نور الدين.
(٩) ليست في ب.
(١٠) بعدها في ط: ولو كان فيّ خير ولي عند الله قيمة لرزقنيها والأعمال بالنية. والخبر في الروضتين (١/ ٨).
(١١) هو مسعود بن محمد وسترد ترجمته في وفيات سنة ٥٧٨ من هذا الجزء.
(١٢) بعدها في ط: وفسد حال المسلمين.
(١٣) ط: من كان حاضرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>