للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلب ابنه يحيى. وقيل: إنه كان بدمشق حين قتل ابنه يحيى. واللّه أعلم (١).

وقد قيل غير ذلك في نسبه، ويقال فيه: زكريا بالمد وبالقصر. ويقال: زكرى أيضًا.

والمقصود أن الله تعالى أمر رسوله محمدًا (٢) أن يقصّ على الناس خبر زكريا وما كان من أمره حين وهبه اللّه ولدًا على الكبر، وكانت امرأته عاقرًا (٣) في حال شبيبتها، وقد أسَنَّت أيضًا، حتى لا ييأس أحد من فضل الله ورحمته، ولا يقنط من فضله تعالى وتقدس، فقال تعالى: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾.

قال قتادة عند تفسيرها: إن اللّه يعلم القلب النقيَّ ويسمع الصوت الخفيَّ (٤).

وقال بعض السلف: قام من الليل فنادى ربه مناداةً أسرّها عمّن كان حاضرًا عنده مخافتة فقال: يا رب، يا رب، يا رب! فقال اللّه: لبيك لبيك لبيك ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ أي: ضعف وخار منَ الكبر، ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ استعارة من اشتعال النار في الحطب، أي: غلب على سواد الشعر شيبُه، كما قال ابن دريد في مقصورته (٥): [من الرجز]

إمّا تَرَيْ رَأسِيَ حاكَى لَوْنُه … طُرَّةَ صُبحٍ تَحْتَ أذيالِ الدُّجى

واشْتَعَلَ المُبْيَضُّ في مُسْودِّهِ … مِثْلَ اشْتِعالِ النَّارِ في جَمر الغَضى

وآضَ عودُ اللَّهْوِ يَبْسًا ذَاويًا … مِنْ بَعْدِ ما قدْ كانَ مَجَّاجَ الثَّرَى (٦)

يذكر أن الضعف قد استحوذ عليه باطنًا وظاهرًا، وهكذا قال زكريا ﴿إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ وقوله: ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ أي: ما دعوتني فيما أسألك إلا الإجابة. وكان الباعث له على هذه المسألة أنه لما كفل مريم بنتَ عمران بن ماثان؛ وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير أيامها ولا في أوانها، وهذه من كرامات الأولياء، فعلم أن الرازق للشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولدًا، وإن كان قد طعن في سنه (٧) ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾. وقوله: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾.


(١) مختصر ابن منظور (٩/ ٤٥).
(٢) ليست في ط.
(٣) في ب: مع ذلك عاقرًا.
(٤) تفسير الطبري (١٦/ ٣٥).
(٥) الأبيات مطلع مقصورته. شرح المقصورة للتبريزي (١٣ - ١٤).
(٦) في شرح التبريزي: وآض روضُ ..
(٧) في ب: سنه وزمانه.