للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استهلت هذه السنة وهو في غاية الصحة والسلامة، وخرج هو وأخوه العادل أبو بكر إِلى الصيد شرقي دمشق.

وقد اتفق الحال بينه وبين أخيه العادل أنه بعد ما يفرع (١) من أمر الفرنج هذه المدة، يسير هو إِلى بلاد الرُّوم، ويبعث أخاه العادل إِلى خلاط، فإذا فرغا من شأنهما سارا جميعًا إِلى بلاد أذربيجان وبلاد العجم، فإِنه ليس دونهما أحد يمانع عنها ولا يصدهم عنها.

فلما قدم الحجيج من الحجاز الشريف في يوم الإثنين حادي عشر صفر خرج السلطان لتلقيهم وكان معهم ولا (٢) أخيه سيف الإسلام، صاحب اليمن، فأكرمه والتزمه، وعاد إِلى القلعة المنصورة فدخلها من باب الحديد (٣)، فكان ذلك آخر ما ركب في هذه الدنيا.

ثم (٤) إِنه اعتراه حُمَّى صفراوية ليلة السبت سادس عشر صفر، فلما أصبح دخل عليه القاضي الفاضل وابن شدّاد وابنه الأفضل، فأخذ يشكو إِليهم كثرة قلقه البارحة، وطاب له الحديث، وطال مجلسهم عنده، ثم تزايد به المرض واستمر، وفصد (٥) الأطباء في اليوم الرابع، فاعتراه (٦) يبس، وحصل له عَرَق شديد بحيث نفذ إِلى الأرض، ثم قوي (٧) اليبس أيضًا، فأحضر الأمراء من الأكابر والرؤساء فبويع لولده الأفضل نور الدين علي (٨)، وكان نائبًا على ملك دمشق وذلك عندما ظهرت مخايل الضعف الشديد، وغيبوبة الذهن في بعض الأوقات.

وكان الذين يدخلون عليه في هذه الحال القاضي الفاضل وابن شدَّاد وقاضي البلد ابن الزكي وتفاقم (٩) به الحال ليلة الأربعاء السابع والعشرين من صفر، واستدعى الشيخ أبا (١٠) جعفر إِمام الكلاسة ليبيت عنده يقرأ القرآن ويلقِّنه الشهادة إِذا جد به الأمر، فذكر أنه كان يقرأ عنده وهو في [غمرات الموت (١١) فقرأ: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الحشر: ٢٢] فقال: وهو كذلك صحيح.


(١) أ: ما قد تفرغ.
(٢) ط: ابن.
(٣) ط: الجديد.
(٤) ب: وذلك.
(٥) ب، ط: وفصدوا.
(٦) ط: ثم اعتراه.
(٧) أ، ب: فقوي.
(٨) سترد ترجمته في حوادث سنة ٦٢٢ من هذا الكتاب.
(٩) ط: ثم اشتد.
(١٠) أ، ب: أبو، وهو خطأ.
(١١) ب، ط: الغمرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>