للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلى عليه تحت النسر قاضي القضاة محمد بن علي القرشي (١) ابن الزكي، على إِذن الأفضل ودخل في لحده ولده الأفضل فدفنه بنفسه، وهو يومئذ سلطان الشام، وذلك لما عليه من الحق والخدمة والإكرام، ويقال: إِنه دفن معه سيفه الذي كان يحضر به الجهاد والجلاد، وذلك عن أمر القاضي الفاضل أحد الأجواد والأمجاد، وتفاؤلوا بأنه يكون يوم القيامة معه يتوكأ عليه، حتى يدخل الجنة إِن شاء الله، لما أنعم به عليه من كسر الأعداء، وبعز الأولياء، وأعظم عليه بذلك المنة.

ثم عمل عزاؤه في الجامع (٢) الأموي ثلاثة أيام، يحضره الخواص والعوام (٣)، والرعيَّة والحكَّام.

وقد عمل الشعراء فيه مراثي كثيرة، ومن أحسنها ما عملها العماد الكاتب في آخر كتابه "البرق الشامي" وهي مئتان وثلاثون بيتًا واثنان، وقد سردها الشيخ شهاب الدين أبو شامة في "الروضتين" (٤)، منها قوله [في أولها] (٥): [من الكامل]

شَمِلَ الهُدى والملكُ عَمَّ شَتَاتُهُ … والدَّهْرُ ساءَ وَأَقْلَعَتْ حَسَنَاتُهُ

أَيْنَ الذي مُذْ لم يَزَلْ مَخْشيَّةً … مَرْجُوَّةَ رَهَباتُهُ وَهِباتُهُ

أَيْنَ الذي كانَتْ لَهُ طاعاتُنا … مَبْذُولَة ولربِّهِ طاعاتُهُ

بِاللهِ أَيْنَ النَاصِرُ المَلِكُ الذي … للهِ خالِصة صَفَتْ نِيَّاتُهُ

أَيْنَ الذي مسا زالَ سُلطانًا لَنا … يُرْجَى نَداهُ وتُتَقَى سَطَواتُهُ

أَيْنَ الذي شَرُح (٦) الزَّمانُ بِفَضْلِهِ … وسَمَتْ على الفُضَلاءِ تَشْريفاتُهُ

أَيْنَ الذي عَنَتِ الفِرَنْجُ لِبَأْسِهِ … ذُلًّا، ومِنْهَا أُدْرِكَتْ ثاراتُهُ

أَغْلَالُ أَعْنَاقِ العِدَا أَسْيَافُهُ … أَطْوَاقُ أَجْيادِ الوَرَى (٧) مَنّاتُهُ

[وللعماد الكاتب في الملك الناصر يرثيه] (٨): [من الكامل] (٩)


(١) ط: القرايبني. تصحيف.
(٢) ط: بالجامع.
(٣) ط: الخاص والعام.
(٤) في الروضتين (٢/ ٢١٥ - ٢١٧) من هذه القصيدة سبعة وستون بيتًا وهي أيضًا في ديوان العماد (٨٦ - ٩٢).
(٥) ط: وهي مئتا بيت واثنان.
(٦) أ، ب: تشرف. ولا يستوي بها الوزن.
(٧) أ: أجياد العدى.
(٨) ط: وله.
(٩) الأبيات في الروضتين (٢/ ٢١٧) وديوان العماد (٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>