للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحبشيةَ والزنجية (١)، وكانت له يدٌ طُولى في نظم الشعر. فمن ذلك قوله (٢): [من الطويل]

ولو وَقَعَتْ (٣) في لُجَّةِ البحرِ قَطْرةٌ … من المُزْنِ يوما ثم شاءَ لمازَها

ولو ملكَ الدُّنيا فأضحى ملوكُها … عبيدًا له في الشرقِ والغربِ ما زها

وقوله في التجنيس (٤) أيضًا (٥): [من الطويل]

أطلتَ ملامي في اجتنابي لمعشرٍ … طَغامٍ لِئامٍ جُودُهُمْ غَيْرُ مُرْتَجَى

تَرَى بابَهُمْ -لا باركَ اللهُ فيهمُ- … على طالب المعروفِ إِنْ جاءَ مُرْتَجًا (٦)

حمَوا مالهم والدِّينُ والعِرضُ منهمُ … مباحٌ، فما يخشونَ مِنْ هجوِ مَنْ هجا (٧)

إِذا شرعَ الأجوادُ في الجودِ منهجًا … لهم شرعوا في البخلِ سبعينَ منهجا

وله مدائحُ حسنة وأشعاو رائقةٌ ومعاني فائقةٌ، وربما عارضَ شعرَ البحتري بما يقاربه ويدانيه، قالوا: وكان الوجيه لا يغضب قط، فتراهن جماعة مع واحد أنه إِن أغضبه كان له كذا وكذًا (٨)، فجاء إِليه، فسأله عن مسألة فأجابه فيها، فقال له السائل: أخطأت أيها الشيخ، فأعاد عليه الجواب بعبارة أخرى، فقال: أخطات أيضًا، فأعاد. ثالثة (بعبارة أخرى) فقال: كذبت وكأنك قد (٩) نسيت النحو، فقال (١٠) الوجيه فلعلك لم تفهم ما أقول لك، فقال: بلى ولكنك تخطئ [في الجواب]، فقال له: فقل أنت ما عندك لنستفيد منك، فأغلظ له السائل (في القول فتبسم ضاحكًا) وقال له (١١): إِن كنت راهنت فقد غُلبت، وإِنما مثلك [في هذا، كمثل البعوضة -يعني الناموسة- سقطت على ظهر الفيل، فلما أرادت الطيران (١٢) قالت له استمسك. فإني أريد (١٣) أن أطير، فقال لها الفيل: ما أحسست بك حين سقطتِ، فما أحتاج أن أستمسك إِذا طِرتِ. كانت وفاته في شعبان منها ودفن بالوزيرية.


(١) في معجم الأدباء: والحبشية والأرمنية.
(٢) الأبيات في معجم الأدباء (١٧/ ٦٠).
(٣) ط: ولو وقفت. وما هنا عن الأصلين، وهو يوافق ما في معجم الأدباء.
(٤) ط: وله في النجنيس.
(٥) الأبيات في معجم الأدباء (١٧/ ٦٧).
(٦) لم يرد هذا البيت في ط. ومرتجًا أي مقفلًا، والمعنى أنك تجد بابهم مغلقًا دون سائلهم لبخلهم.
(٧) ط: من عاب أو هجا.
(٨) أ: قالوا: وكان لا يغضب قط، تراهن جماعة مع واحد أن يغضبه فجاء إِليه.
(٩) ط: فأعاد الجواب بعبارة أخرى فقال كذبت وما أراك إِلا.
(١٠) أ: فقال الوجيه الأعمى.
(١١) أ: فقال له الوجيه.
(١٢) ط: أن تطير.
(١٣) ط: أحب.

<<  <  ج: ص:  >  >>