للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجد الملك بذلك راحة (١) من قلة عقله ودينه قبحه الله. فلما جاءت التتار اشتغل بهم وأمر بدفن قلج وهرب من بين أيديهم وامتلأ قلبه خوفًا منهم، وكان (٢) كلما سار من قطر لحقوه إِليه وخربوا ما اجتازوا به من الأقاليم والبلدان حتى انتهوا إِلى الجزيرة وجاوزوها إِلى سنجار وماردين وآمد، يفسدون ما قدروا عليه قتلًا ونهبًا وأسرًا (٣) وتمزَّقَ شملُ جلال الدين وتفرَّق عنه جيشهُ، فصاروا شَذَرَ مَذَرَ، وبُدِّلوا بالأمن خوفًا، وبالعزّ ذلًّا، وبالاجتماع تفريقًا، فسبحان من بيده الملك لا إِله إِلا هو. وانقطع خبر جلال الدين فلا يُدْرَى أين سلك، ولا أين ذهب، وتمكنت (٤) التتار من الناس في سائر البلاد لا يجدون من يمنعهم ولا من يردعهم، وألقى الله تعالى الوهنَ والضعفَ في قلوب الناس منهم، كانوا كثيرًا يقتلون الناس فيقول المسلم: لا بالله، لا بالله، فكانوا يلعبون على الخيل (٥) ويغنون ويحاكون الناس لا بالله لا بالله، وهذه طامة عظمى وداهية كبرى، فإِنا لله وإِنا إِليه راجعون.

وحج الناس في هذه السنة من الشام وكان ممن حج (٦) فيها الشيخ تقي الدين أبو عمرو (٧) بن الصلاح، ثم لم يحج الناس بعد هذه السنة أيضًا لكثرة الحروب والخوف من التتار (٨) والفرنج، فإِنا لله وإِنا إِليه راجعون.

وفيها: تكامل بناء المدرسة التي بسوق العجم ببغداد المنسوبة إِلى إِقبال الشرابي (٩)، وحضر الدرس بها، وكان يومًا مشهودًا، اجتمع (١٠) فيه جميع المدرسين والمفتين ببغداد، وعُمل بصحنها قبابُ الحلوى فحُمل منها إِلى جميع المدارس والربط، ورُتِّبَ فيها خمسة وعشرون (١١) فقيهًا لهم الجوامك الدارّةُ في كل [شهر والطعام في كل] يوم، والحلوى في أوقات المواسم، والفواكه في زمانها، وخلع على المدرِّس والمعيدين والفقهاء في ذلك اليوم (١٢)، وكان وقتًا (١٣) حسنًا تقبل الله تعالى منه.


(١) أ، ب: راحة بذلك.
(٢) أ، ب: واملأ قلبه خوفًا منهم وجعل.
(٣) أ، ب: قتلًا وأسرًا ونهبًا.
(٤) أ: فتمكنت.
(٥) ب: على الحبل.
(٦) أ: ممن خرج.
(٧) ط: أبو عمر؛ وهو خطأ.
(٨) أ، ب: التتر.
(٩) هي المدرسة الشرابية المشهورة، ولعمي العلامة الدكتور ناجي معروف طيب الله ثراه كتاب عنها، طبع ببغداد (بشار).
(١٠) أ، ب: واجتمع.
(١١) ط: خمسة وعشرين.
(١٢) أ، ب: يومئذ.
(١٣) هكذا في الأصول، ولعله الصواب: "وقفًا" (بشار).

<<  <  ج: ص:  >  >>