للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديار المصرية، وقتل الفارس أقطاي في سنة ثنتين وخمسين، وخلع بعده الأشرف واستقل بالملك وحده، ثم تزوج بشجر الدر أم خليل. وكان كريمًا شجاعًا حليمًا (١) دينًا، ثم كان موته في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول، وهو واقف المدرسة المعزية بمصر ومجازها من أحسن الأشياء (٢)، وهي من داخل ليست بتلك الفائقة. وقد قال بعضهم [فيها]: هذه مجاز لا حقيقة له. ولما (٣) قتل فاتَّهم مماليكه زوجته أم خليل شجر الدر به، وقد كان عزم على تزوج (٤) ابنة صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ (٥)، فأمرت جواريها أن يمسكنه لها فما زالت تضربه بقباقيبها، والجواري يعركن في معاريه (٦)، حتى مات وهو كذلك، ولما سمع (٧) مماليكه أقبلوا بصحبة (٨) مملوكه الأكبر سيف الدين قطز، فقتلوها وألقوها على مزبلة غير مستورة العورة، بعد الحجاب المنيع والمقام (٩) الرفيع، وقد عَلَّمَتْ على المناشير والتواقيع، وخطبَ الخطباءُ باسمها، وضُربت السِّكةُ برسمها، فذهبت فلا تعرف بعد ذلك بعينها ولا رسمها ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٢٦] وأقامت الأتراكُ بعدَ أستاذهم عزِّ الدين أيبك التركماني، بإشارة أكبرِ مماليكه الأمير سيف الدين قطز (١٠)، ولدَهُ نور الدين عليًّا ولقَّبوه الملكَ المنصور، وخُطب له على المنابر وضربت السِّكةُ باسمه وجرت الأمورُ على ما يختاره برأيه ورسمه.

وفيها: كانت فتنةٌ عظيمةٌ ببغداد بين الرافضة وأهل السُّنة، فنُهب الكرخ ودور الرافضة حتى دور قرابات الوزير ابن العلقمي، وكان ذلك من أقوى الأسباب في ممالأته للتتار.

وفيها: دخلت الفقراء الحيدرية (١١) الشام، ومن شعارهم لبس الفراجي (١٢) والطراطير ويقصّون


(١) أ: حكيمًا. ط: حييًا. وما هنا عن ب.
(٢) أ، ب: التي بمصر ومحابرها من أحق الأشياء.
(٣) أ، ب: فلما.
(٤) أ، ب: فكان قد عزم على تزويج ابنة صاحب الموصل.
(٥) سترد ترجمته في حوادث سنة ٦٥٦ هـ.
(٦) يعني: بيضه، وفي ط: "معاربه" وهو تصحيف، وما هنا من أ، ب وخط الذهبي في تاريخ الإسلام (١٤/ ٧٧٥).
(٧) ط: ولما سمعوا. وهي لغة مفضولة.
(٨) أ، ب: صحب.
(٩) أ، ب: والستر الرفيع.
(١٠) بعد هذه اللفظة في أ، ب: وأقامت الأتراك بعد أستاذهم عز الدين أيبك التركماني. وقد تقدمت قبل سطر.
(١١) الحيدرية: طائفة من الصوفية مُجَرَّدون وهم أتباع الشيخ حيدر المولّه الزواحي الولي المشهور، وصاحب هذه الطريقة المعروفة باسمه. معجم الفرقِ الإسلامية لشريف يحيى الأمين (١٠٥).
(١٢) ط: الراحي، والفراجي لعلها جمع فرُّوج وهو قَباء فيه شَقٌّ من خلفه، وفي الحديث صلَّى بنا النبي وعليه فرّوجٌ من حرير (اللسان: فرج).

<<  <  ج: ص:  >  >>