للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدما كانت آنس المدن كلّها كأنها خرابٌ ليس فيها (١) إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة، وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت (٢) العساكر في آخر أيام المستنصر قريبًا من مئة ألف مقاتل، منهم من الأمراء مَنْ هو كالملوك الأكابر (٣)، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى (٤) عشرة آلاف، ثم كاتب التتارَ وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحالِ، وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعًا منه أن يزيل السُّنَّة بالكلية، وأن يظهر البدعة الرافضةَ وأن يقيم خليفة من الفاطميين، وأن يبيد العلماء والمُفْتين، والله غالبٌ على أمره، وقد ردَّ كيدَه في نحره، وأذله بعد العزّة القَعْساء، وجعله حوشكاشا (٥) للتتار (٦) بعدما كان وزيرًا للخلفاء (٧)، واكتسب إثم من قتل ببغداد من الرجال والنساء والأطفال (٨)، فالحكم لله العلي الكبير رب الأرض والسماء.

وقد جرى على بني إسرائيل ببيت المقدس قريبٌ مما جرى على أهل بغداد كما قصَّ الله تعالى علينا ذلك (٩) في كتابه العزيز، حيث يقول ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٤] الآيات. وقد قُتل من بني إسرائيل خلقٌ من الصُّلحاء وأُسر جماعة من أولاد الأنبياء، وخربَ بيت المقدس بعدما كان معمورًا بالعبَّاد والزُّهَّاد والأحبار والأنبياء، فصار خاويًا على عُروشه واهي البناء.

وقد اختلف الناس في كمية من قُتل ببغداد من المسلمين [في هذه الوقعة] (١٠). فقيل ثمانمئة ألف، وقيل ألف ألف وثمان مئة ألف، وقيل بلغت القتلى ألفي ألفي نفس، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله [العزيز الحكيم]. وكان دخولهم بغداد في أواخر المحرم، وما زال السيفُ يقتل أهلَها أربعين يومًا (١١).


(١) أ، ب: ليس فيها أحد إلا القليل.
(٢) أ، ب: وإسقاط أسهمهم من الديوان وكانت العساكر.
(٣) ط: كالملوك الأكابر الأكاسر.
(٤) أ، ب: لم يبق إلا عشرة.
(٥) في أ: (هو شكاش).
(٦) عن ط وحدها.
(٧) أ، ب: وزير الخلفاء.
(٨) أ، ب: من قتل بمدينة بغداد من الرجال والأطفال والنساء.
(٩) أ، ب: ذلك علينا.
(١٠) عن ط وحدها.
(١١) أ، ب: أربعين صباحًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>