للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثواه، وبلَّ بالرأفة ثراه. وقد قُتل بعده ولداه وأُسر الثالثُ مع بنات ثلاث (١) من صلبه، وشغر منصب الخلافة بعده، ولم يبق في بني العباس من سدَّ مسدَّه، فكان آخر الخلفاء من بني العباس الحاكمين بالعدل بين الناس، ومن يُرْتَجى منهم النوالُ ويُخشى البأسُ، وخُتموا بعبد الله المستعصم كما افتتحوا (٢) بعبد الله السفاح، [وكان عدة خلفاء بني العباس إلى المستعصم سبعة وثلاثين خليفة وكان أولهم عبد الله السفاح] بويع له بالخلافة وظهر ملكُه وأمرُه في سنة ثنتين وثلاثين ومئة، بعد انقضاء دولة بني أمية كما تقدم بيانه، وآخرهم عبد الله المستعصم وقد زال ملكهم وانقضت خلافتهم (٣) في هذا العام [أعني سنة ست وخمسين وستمئة] (٤) فجملة أيامهم خمسمئة سنة وأربع وعشرون سنة، وزال ملكهم (٥) عن العراق والحكم بالكلية مدة سنة وشهور في أيام البساسيري بعد الخمسين وأربعمئة، ثم عادت كما كانت. وقد بسطنا ذلك في موضعه في أيام القائم بأمر الله ولله الحمد.

ولم تكن أيدي بني العباس حاكمةً على جميع البلاد كما كانت بنو أمية قاهرةً لجميع البلاد والأقطار والأمصار، فإنه خرج عن بني العباس بلادُ المغرب، ملكها في أوائل الأمر بعضُ بني أمية ممن بقي منهم من ذرية عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، ثم تغلّب عليه الملك بعد دهور متطاولة كما ذكرنا، وقارن (٦) بني العباس دولة المدّعين أنهم من الفاطميين ببلاد مصر وبعض بلاد المغرب، وما هنالك، وبلاد الشام في بعض الأحيان والحرمين في أزمان طويلة [وكذلك أخذت من أيديهم بلاد خراسان وما وراء النهر، وتداولتها الملوك دولًا بعد دول، حتى لم يبق مع الخليفة منهم إلا بغداد وبعض بلاد العراق، وذلك لضعف خلافتهم واشتغالهم بالشهوات وجمع الأموال في أكثر الأوقات، كما ذكر ذلك مبسوطًا في الحوادث والوفيات] (٧).

واستمرت دولة الفاطميين قريبًا من ثلاثمئة سنة حتى كان آخرهم العاضد الذي مات بعد الستين وخمسمئة في الدولة الصلاحية الناصرية القدسية [كما ذكرنا]، وكانت عدةُ ملوك الفاطميين أربعة عشر خليفة [وإن شئت قلت] (٨) متخلِّفًا، ومدةُ ملكهم تحريرًا من سنة سبع وتسعين ومئتين إلى أن توفي


(١) أ: بناته الثلاث.
(٢) ط: فتحوا.
(٣) ط: وقد زال ملكه وانقضت خلافته. وليست اللفظة الأخيرة في ب.
(٤) ما بين الحاصرتين في أ، ب: دون ط.
(٥) أ، ب: زالت يدهم عن العراق.
(٦) أ، ب: بعدد دول متطاولة كما قارن.
(٧) ليس ما بين الحاصرتين في أ، ب وقد جاءت في ط على هذا الشكل وفي هامشها أنها زيادة من نسخة أخرى بالآستانة.
(٨) مكان ما بين الحاصرتين في ط: ملكًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>