للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغ السلطان وهو مخيم على حصن الأكراد أن صاحب جزيرة قبرص قد ركب بجيشه إلى عكا لينصر أهلها خوفًا من السلطان، فأراد السلطان أن يغتنم هذه الفرصة فبعث جيشًا كثيفًا في سبعة عشر (١) شينيًا ليأخذوا جزيرةَ قبرص في غيبةِ صاحبها عنها، فسارتِ المراكبُ مسرعةً فلما قاربت الجزيرة (٢) جاءتها ريحٌ قاصف فصدم بعضُها بعضًا فانكسر فيها أربعة عشرَ مركبًا بإذن الله فغرقَ خلقٌ وأسرَ الفرنجُ من الصناع والرجال قريبًا من ألفِ وثمانمئة إنسان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم سار السلطان فنصبَ المجانيقَ (٣) على حصن عكا فسأله أهلُها الأمانَ على أن يخليهم فأجابهم إلى ذلك، ودخلَ البلدَ يوم عيد الفطرِ فتسلَّمه، وكانَ الحصنُ شديدَ الضَّرر على المسلمين، وهو وادٍ بين جبلين.

ثم سار السلطانُ نحو طرابلس فأرسل إليه صاحبها يقول: ما مرادُ السلطانِ في هذه الأرض؟ فقال: جئتُ لأرعى زروعَكم وأخرّب بلادَكم، ثم أعودُ إلى حصاركم في العام الآتي. فأرسلَ يستعطفُه ويطلبُ منه المصالحة ووَضْعَ الحرب بينهم عشرَ سنين فأجابه إلى ذلك.

وأرسل إليه الإسماعيليةُ يستعطفونه على والدهم، وكان مسجونًا بالقاهرة، فقال: سلموا إليَّ العليقة وانزلوا فخذوا إقطاعاتٍ بالقاهرة، وتسلّموا أباكم. فلما نزلوا أمرَ بحبسهم بالقاهرة واستناب بحصن العليقة.

وفي يوم الأحد الثاني عشر من شوال جاء سيلٌ (٤) عَظيمٌ إلى دمشق فأتلفَ شيئًا كثيرًا، وغرق بسببه ناسٌ كثير، لا سيما الحجاج من الروم الذي كانوا نزولًا بين النهرين، أخذهم السيل وجمالهم وأحمالهم، فهلكوا وغُلِّقت أبوابُ البلد، ودخل الماء إلى البلد من مراقي السُّور، ومن باب الفراديس فغرق خان ابن المقدم وأتلف شيئًا كثيرًا، وكان ذلك في زمن الصيف في أيام المشمش، ودخل السلطان إلى دمشق يوم الأربعاء خامس عشر شوال فعزل القاضي ابن خلكان (٥)، وكان له في القضاء عشر سنين، وولى القاضي عز الدين بن الصائغ (٦)، وخلع عليه، وكان تقليده قد كتب بظاهر طرابلس بسفارة الوزير ابن الحنا، فسار ابن خلكان في ذي القعدة إلى مصر.


(١) ط: اثني عشرة شبني.
(٢) ط: المدينة.
(٣) أ: المناجنيق.
(٤) الخبر في ذيل مرآة الزمان (٢/ ٤٥١).
(٥) سترد ترجمة ابن خلكان في حوادث سنة ٦٨١ من هذا الجزء.
(٦) هو عبد العزيز بن محمد بن عبد القادر بن الصائغ عز الدين سترد ترجمته في وفيات سنة ٦٧٤ من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>