للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَاشَنْكير (١)، والأمير حسام الدين لاجين المعروف بالإستادار (٢) المنصوري، والأمير سيف الدين كراي المنصوري (٣)، ثم قدمت بعدهم طائفة أخرى فيهم بدر الدين أمير سلاح، وأيبك الخزندار، فقويت القلوب، واطمأن كثير من الناس، ولكن الناس في جَفَل عظيم من بلاد حلب وحماة وحمص وتلك النواحي، وتقهقر الجيش الحلبي والحموي إلى حمص، ثم خافوا أن يدهمهم التتر، فجاؤوا، فنزلوا المرج يوم الأحد خامس (٤) شعبان، ووصل التتار إلى حمص وبعلبك، وعاثوا في تلك الأراضي فسادًا، وقلق الناس قلقًا عظيمًا، وخافوا خوفًا شديدًا، واختبط البلد لتأخُّر قدوم السلطان ببقية الجيش، وقال الناس: لا طاقة لجيش الشّام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لكثرتهم، وإنما سبيلهم أن يتأخروا عنهم مرحلة مرحلة. وتحدث الناس بالأراجيف، فاجتمع الأمراء يوم الأحد المذكور بالميدان، وتحالفوا على لقاء العدو، وشجَّعوا أنفسهم، ونودي بالبلد أن لا يرحل أحدٌ منه، فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع وحلَّفوا جماعة من الفقهاء والعامة على القتال، وتوجّه الشيخُ تقي الدين بن تيمية إلى العسكر الواصل من حماة، فاجتمع بهم في القُطَيِّفة (٥) فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحلفوا معهم، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا. وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ [الحج: ٦٠].

وقد تكلَّم النّاسُ في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو، فإنهم يُظهِرون الإسلام وليسوا بغاةً على الإمام، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه. فقال الشيخ تقي الدين: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ ومعاويةَ، ورأَوا أنهم أحق بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبِّسون به من المعاصي والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، فتفطن العلماء والناس لذلك، وكان يقول للناس: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم، ولله الحمد.

ولما كان يوم الرابع والعشرين من شعبان خرجت العساكر الشَّامية فخيَّمت على الجسور من ناحية


(١) سيأتي في وفيات سنة ٧٠٧ هـ.
(٢) سيأتي في وفيات سنة ٧٢٩ هـ. "والإستادار": وظيفة عسكرية يتولّى صاحبها قبض مال السلطان أو الأمير وصرفه.
(٣) توفي سنة ٧١٩ هـ. ترجمته في الدرر الكامنة (٣/ ٢٦٦) والدارس (٢/ ٢٩٧).
(٤) في أ: خامس عشر من.
(٥) في ط: القطيعة. والقُطَيِّفة بالفاء: قرية تبعد عن دمشق نحو (٤٥ كم) إلى الشمال على يمين الذاهب إلى حمص. ياقوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>