للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


- فصل -
= قال الشيخ الإمام العلّامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي في كتابه الذي جمعه في ترجمة الشيخ تقي الدين بن تيمية.
لمّا كان في شهر رجب من سنة إحدى عشرة وسبعمئة جاء رجل من أعيان أهل مصر إلى أخي الشيخ شرف الدّين، وهو في مسكنه بالقاهرة فقال: إنّ جماعة بالجامع قد تعصّبوا على الشيخ وتفرّدوا به، وضربوه. فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وكان بعض أصحاب الشيخ حاضرًا عنده، فقام وأتى مصر.
يقول: فوجدت خلقًا من أهل الحسينية، وغيرها رجالًا وفرسانًا يسألون عن الشيخ، فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك على البحر، وقد اجتمع عنده جماعة كثيرة، وتتابع الناس في المجيء إليه، فقال له بعضهم: يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية لو أمرتهم أن يهدموا مصر كلَّها لفعلوا، فقال: لأي شيء؟
قالوا: نصرة لك وقيامًا لحقك.
فقال لهم: هذا ما لا يجوز.
قالوا: فنحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوْك، فنقتلهم ونخربُ بيوتهم.
فقال: هذا لا يحل.
قالوا: فهذا الذي فعلوه معك يحل؟! هذا شيء لا نصبر عليه، ولا بد أن نؤذي من آذاك.
فجعل الشيخ ينهاهم ويسليهم، وهم مصمّمون على ذلك.
فقال لهم: إما أن يكون الحقُّ إليَّ أو إليكم، أو لله، فإن كان الحق لي فهم في حل منه، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني وافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله، فالله يأخذ حقه كما يشاء، وكيف يشاء ممن يشاء إن شاء.
قالوا: فهذا الذي فعلوه معك هو حلال؟!.
قال: فهذا الذي فعلوه معي قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه.
قالوا: فتكون أنت على الباطل وهم على الحق إذا قلت: إنهم مأجورون فيه، فاسمع منه وخذ بقولهم، ووافقهم على قولهم.
فقال لهم: ما الأمر على ما تزعمون، فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين، ففعلوا ذلك الذي فعلوه باجتهادهم، والمجتهد المخطئ له أجر اجتهاده، فلما قال لهم ذلك، قالوا له: اركب معنا حتى ندخل القاهرة، فقال: لا، ثم سأل عن وقت العصر، فقيل له: إنه قريب. فقام قاصدًا إلى الجامع لصلاة العصر، فقيل له: إن أعداءك قد تواصَوْا عليك أن يقتلوك في الجامع، فإنهم يتمكنون منك حينئذ، فصلِّ حيث كان، فأبى إلّا الذهاب إلى الجامع والصلاة فيه.
فخرج وتبعه خلق كثير من محبيه، لا يرجعون عنه، فأراد ردّهم عنه، فأبوا، فامتلأ الطريق بالناس، فقال له من كان قريبًا منه: ادخل إلى هذا المسجد، وإذا مسجد في الطريق، واقعد فيه حتى يخفّ عنك الناس لئلا يموت أحد من الزحام، فدخل المسجد ولم يجلس فيه، بل وقف وأنا معه، فلمّا خف الناس خرج منه طالبًا للجامع العتيق، فمرّ على طريقه بقوم يلعبون بالشّطرنج على مصطبة بعض حوانيت الحدادين، فقبض الرُّقعة، وقلبها، فبهت الذي يلعب بها والناس من فعله ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>