للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهوديًا عطَّارًا، فتقدَّم بالطب وشملته السعادة حتى كان عند خَرْبَنْدَا الجزءَ الذي لا يتجزأ، وعلت رتبته وكلمتُه، وتولَّى مناصبَ الوُزراء، وحَصَل له من الأموال والأملاك والسعادة ما لا يُحدُّ ولا يُوصف، وكان قد أظهر الإسلام، وكانت لديه فضائل جمّة، وقد فسر القرآن وصنّف كتبًا كثيرة، وكان له أولاد وثروة عظيمة، وبلغ الثمانين (١) من العمر، وكانت له يد جيّدة يوم الرَّحْبَة (٢)، فإنه صانَع عن المسلمين [وأتقن القضية في رجوع ملك التتار عن البلاد الشامية] (٣)، سنة ثنتي عشرة كما تقدَّم، وكان يناصح الإسلام، ولكن قد نال منه خلقٌ كثير من النَّاس واتَّهموه على الدِّين وتكلموا في تفسيره هذا، ولا شك أنه كان مخبِّطًا مخلِّطًا، وليس لديه علم نافع، [ولا عمل صالح] (٤). ولما تولى أبو سعيد المملكةَ عزله وبقي مدَّةً خاملًا، ثم استدعاه جُوْبَان وقال له: أنت سقيت السلطان خَرْبَنْدا سُمًّا؟ فقال له: أنا كنت (٥) في غاية العظمة والعزة، فكيف أعمَد إلى سقيه والحالة هذه؟ فأحضرت الأطبّاء فذكروا سورة مرض خَرْبَنْدا وصفته، وأن الرشيد أشار بإسهاله لما عنده في باطنه من الحواصل، فانطلق باطنه نحوًا من سبعين مجلسًا، فمات [فاعترف] (٦) بذلك على وجه أنَّه أخطأ في الطب. فقال: فأنت إذًا قتلته، فقتله وولده إبراهيمَ، واحتيط على حواصله وأمواله، فبلغت شيئًا كثيرًا، وقُطعت أَعضاؤُه وحُمل كل جزء منها إلى بلدة، ونودي على رأسه بتبْريز: هذا رأسُ اليهودي الذي بدل كلام الله لعنه الله، ثم أُحرقت جثته، وكان القائم عليه علي شَاه (٧).

وفي هذا الشَّهر - أَعْني جُمادى الأولى - تولَّى قضاء المالكية بمصرَ تقي الدين الإخنائي (٨) عوضًا عن زين الدين بن مخلوف توفي عن أربعٍ وثمانين سنة، وله في الحكم ثلاث وثلاثون سنة.

وفي يوم الخميس عاشر رجب لبس صلاح الدين يوسف بن الملك الأوحد خلعة الإمرة بمرسوم السلطان (٩).

وفي آخر رجب جاء سيلٌ عظيمٌ بظاهر حمصَ خرَّب شيئًا كثيرًا، وجاء إلى البلد ليدخلها فمنعه الخندق.


(١) في الدرر والشذرات: عاش بضعًا وسبعين سنة.
(٢) مرَّ ذكره.
(٣) ليست في ب.
(٤) ليست في ب.
(٥) في ط: في غاية الحقارة والذِّلّة فصرت في أيامه وأيام أبيه.
(٦) زيادة من ب.
(٧) هو: علي شاه الوزير. الدرر الكامنة (٣/ ٢٣٢) وفيه الخبر.
(٨) هو محمد بن أبي بكر الإخنائي بن بدران. مات سنة (٧٥٠ هـ).
(٩) هو: يوسف بن شادي بن داود، مات سنة (٧٤١ هـ) الدرر الكامنة (٤/ ٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>