للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر بعض أهل الكتاب أنه مكث ألفًا وستمئة سنة يجوب الأرض ويدعو أهلها إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وفي كلّ هذه المدّة نظر. والله أعلم.

وقد روى البيهقي، وابن عساكر حديثًا متعلّقا بقوله ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ مطولًا جدًا، وهو منكر جدًا. وفي إسناده محمد بن يونس الكُدَيْمي، وهو مُتَّهم (١) فلهذا لم نكتبه لسقوطه عندنا. والله أعلم.

وقوله: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ أى طَريقًا ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾ يعني من الأرض، انتهى إلى حيث لا يمكن أحدًا أن يجاوزه ووقف على حافة البحر المحيط الغربي الذي يقال له: أُوقيانوس الذي فيه الجزائر المسماة بالخالدات التي هي مبتدأ الأطوال على أحد قولي أرباب الهيئة، والثاني من ساحل هذا البحر كما قدّمنا. وعنده شاهد مغيب الشمس فيما رآه بالنسبة إلى مشاهدته ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ والمراد بها البحر في نظره، فإن من كان في البحر أو على ساحله يرى الشمسَ كأنها تطلع من البحر وتغرب فيه، ولهذا قال: ﴿وَجَدَهَا﴾ أي في نظره، ولم يقل: فإذا هي تغرب في عين حمئةٍ، أي ذات حمأة. قال كعب الأحبار (٢): وهو الطين الأسود. وقرأه بعضهم حامية (٣). فقيل: يرجع إلى الأول، وقيل من الحرارة، وذلك من شدة المقابلة لوهج ضوء الشمس وشعاعها.

وقد روى الإمام أحمد (٤)، عن يزيد بن هارون، عن العوَّام بن حَوْشَب، حدثني مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله قال: نظر رسول الله : إلى الشمس حين غابت فقال: "في نار الله الحامية، لولا ما يَزَعُها من أمر الله لأحْرقَتْ ما على الأرض" فيه غرابة، وفيه رجل مُبهم لم يُسَمَّ، ورفْعُه فيه نظر، وقد يكون موقوفًا من كلام عبد الله بن عمرو، فإنه أصاب يوم اليرموك زامِلتين من كتب المتقدّمين، فكان يحدِّث منها (٥). والله أعلم.

ومن زعم من القصاص أن ذا القرنين جاوز مغرب الشمس وصار يمشي بجيوشه في ظلمات مُددًا طويلة فقد أخطأ وأبعدَ النجعة. وقال ما يخالف العقل والنقل.


(١) ترجمته في المجروحين والضعفاء (٢/ ٣١٢) وفيه: ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث.
(٢) زيادة من ط.
(٣) هي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وأبي بكر. حجة القراءات لابن زنجلة: (٤٢٨ - ٤٢٩)، وتفسير الطبري (١٦/ ٩).
(٤) المسند (٢/ ٢٠٧).
(٥) في ب: منهما.