للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُقال في نسبه: السِّماكيّ، نسبةّ إلى أبي دُجانة سِمَاك بن خَرَشة (١) واللَّه أعلم.

ولد ليلة الإثنين ثامن شوال سنة ست وستين وستمئة، وسمع الكثير واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري [في الفقه] (٢)، وفي الأصول على القاضي بهاء الدين بن الزكي، وفي النحو على بدر الدين بن مالك (٣) وغيرهم، وبرَع وحصّل وساد أقرانه من أهل مذهبه، وحاز قَصَب السّبْق عليهم بذهنه الوقّاد في تحصيل العلم الذي أسهره ومنعه الرُّقاد وعبارته التي هي أشهى من كل شيء معتاد، وخطه الذي هو أنضر من أزاهير الوهاد، وقد درَّس بعدَّةِ مدارس بدمشق (٤)، وباشر عدة جهات كبار، كنظر الخِزانة، ونظر المارستان النُّوري، وديوان الملك السعيد، ووكالة بيت المال.

وله تعاليق مفيدة واختيارات حميدة سديدة، ومناظرات سعيدة.

ومما علَّقه قطعةٌ كبيرةٌ من "شرح المنهاج" للنووي، ومجلد في الرد على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسألة الطلاق وغير ذلك، وأما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدًا من الناس درَّس أحسنَ منها ولا أحلى من عبارته، وحسن تقريره، وجودة احترازاته، وصحة ذهنه وقوة قريحته وحسن نظمه، وقد درَّس بالشَّامية البرَّانية والعذراوية والظَّاهرية الجوانية والرَّواحيَّة والمسروريّة، فكان يعطي كل واحدة منهنَّ حقَّها بحيث كان يكاد ينسخ بكل واحد من تلك الدروس ما قبله من حسنه وفصاحته، ولا يُهيلُه (٥) تعدادُ الدروس وكثرة الفقهاء والفضلاء، بل كلَّما كان الجمع أكثر والفضلاء أكبر كان الدَّرس أنضر وأبهر وأحلى وأنصح وأفصح.

ثم لما انتقل إلى قضاء حلب وما معه من المدارس العديدة عامله معاملة مثلها، وأوسعَ بالفضيلة جميع أهلها، وسمعُوا من العلوم ما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم.

ثم طلب إلى الدّيار المصرية ليولّى البلاد (٦) الشامية دار السنة النبوية فعاجلته المنية قبل وصوله إليها، فمرض وهو سائر على البريد تسعة أيام، ثم عقب المرض بحرّاق الحمام (٧)، فتوفي في سحر يوم الأربعاء


(١) سِمَاكُ بن خَرَشة الخزرجي البياضي الأنصاري المعروف بأبي دجانة، صحابي، كان بطلًا شجاعًا، شهد بدرًا، وثبت يوم أحد وأصيب بجراحات كثيرة، استشهد باليمامة سنة (١١ هـ). الأعلام (٣/ ١٣٩) وثمة مصادر ترجمته.
(٢) زيادة من ب.
(٣) في ط: ملك.
(٤) الدارس (١/ ٣٢).
(٥) "يهيلُهُ": يفزعه.
(٦) ليست في ط.
(٧) وقيل: مات مسمومًا. الفوات والدرر؛ ويأتي بعد هذا في ب: "فقبضه هاذ اللَّذات، وحال بينه وبين سائر الشهوات والإرادات، والأعمال بالنيات. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه، وكان من نيته الخبيثة إذا رجع إلى الشام متولِّيًا أن يؤذي شيخ الإسلام ابن تيمية فدعا عليه فلم يبلغ أمله ومراده" ولا أظن أن ابن كثير كتب هذا لأنه يتناقض مع الثناء العاطر الحسن الذي أثنى عليه المؤلف (بشار).

<<  <  ج: ص:  >  >>