للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاد، وبقوا متوهمين من هذه الحال كثيرًا ومتردِّدين، ومنهم من يصانع في الظَّاهر وليس معهم في الباطن، وقالوا لا سمع ولا طاعةً حتى يرجع إلى الديار المصرية، ويجلس على سرير المملكة، وجاء كتابه إليهم يعيبهم ويعنِّفهم في ذلك، فلم يُفد، وركب الأحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا إليه إلى القصر، فسلَّمُوا عليه وخدموه، وتفاقم الأمر وعَظُم الخطب، وحملوا همومًا عظيمة خوفًا من أن يذهب إلى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين، فحمل الناس همهم، فاللَّه هو المسؤول أن يحسن العاقبة.

فلما كان يوم الأحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدَّمُ البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لما بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان أضعاف ما حصل عند الشاميين، فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه، ولكن تردَّدُوا خوفًا من الشّاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدَّموا في صحبة السلطان لقتالهم، فلما اطمأنُّوا من جهة الشَّاميين صمَّموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملّكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن المنصور، جعله اللَّه مباركًا على المسلمين، وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور، وجاء كتابه مسَلِّمًا على أمراء الشام ومقدَّميه، وجاءت كتبُ الأمراء على الأمراء بالسَّلام والأخبار بذلك، ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحًا شديدًا، ودُفَّت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ، ورُسم بتزيين البلد، فزَيَّنَ النَّاسُ صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه.

ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خُطب بدمشقَ للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور (١).

وفي يوم الخميس سادس صفر درَّس بالصَّدريَّة (٢) صاحبنا الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرعي إمام الجَوْزية، وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المُنَجَّى (٣) الذي نزل له عنها، وجماعة من الفضلاء.

وفي يوم الإثنين سادس عشر صفر دخل الأمير سيف الدين طَقْزدَمُر (٤) من الديار المصرية، إلى دمشق ذاهبًا إلى نيابة حلب المحروسة، فنزل بالقابون.

وفي يوم الثلاثاء ثامنَ عشرَ صفر توفي الشيخ الإِمام العالم العامل الزاهد عبد اللَّه (٥) بن أبي الوليد


(١) الدرر الكامنة (١/ ٣٨٠) والنجوم الزاهرة (١٠/ ٧٤ - ٧٨) وبدائع الزهور (١/ ٤٩٨).
(٢) "الحنبلية": الدارس (٢/ ٨٦) وهي جنوبي قصر العظم.
(٣) هو: محرر بن أحمد بن المُنجَّا. مات سنة (٧٤٦ هـ) الدارس (٢/ ٧٤).
(٤) في ط: تغردمر وفي الدرر الكامنة (طقزتمر) وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (١٠/ ٨٠).
(٥) ترجمته في: الذيل ص (٢٣٤) والوفيات لابن رافع (١/ ٤٢٢) والدرر الكامنة (٢/ ٢٨٦) والدارس (٢/ ٦) والزيادة منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>