للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقية أصحابه من حماة فحملوا إلى الديار المصرية وعُدِمَ خبرهم، فلا يدرى على أي صفةٍ هلكوا.

وفي صبيحة يوم الثلاثاء الثامنَ عشرَ من جمادى الآخرة من هذه السنة دخل الأمير سيف الدين أَرْغُون شاه دمشقَ المحروسة نائبًا عليها، وكان قدومه من حلبَ، انفصل عنها وتوجه إليها الأمير فخر الدين إياس الحاجب، فدخلها أَرْغُون شاه في أبهة وعليه خلعة وعمامة بطرفين، وهو قريب الشكل من تَنْكِز فنزل دار السعادة وحكم بها، وفيه صرامة وشهامة (١).

وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه صُلِّي على الأمير قَرَاسنْقُر (٢) بالجامع الأموي وظاهر باب النصر، وحضر القضاة والأعيان والأمراء، ودُفن بتربته بميدان الحصا بالقرب من جامع الكريمي.

وعملت ليلةُ النصف على العادة من إشعال القناديل، ولم يشعلِ النَّاس لما هم فيه من الغلاء وتأخُّر المطر وقلّة الغلة، كل رطل إلا أوقية بدرهم، وهو متغير، وسائر الأشياء غالية، والزيت كل رطل بأربعة ونصف، ومثله السِّيرج (٣) والصابون والأرز، والعنبريس كل رطل بثلاثة، وسائر الأطعمات على هذا النحو، وليس شيء قريب الحال سوى اللحم بدرهمين وربع، ونحو ذلك، وغالب أهل حَوْران يردون من الأماكن البعيدة ويجلبون القمح للمُؤْنة والبذار من دمشق، وبيع عندهم القمح المغربل كل مد بأربعة دراهم، وهم في جهد شديد، واللَّه هو المأمول المسؤول، وإذا سافر أحد يشق عليه تحصيل الماء لنفسه ولفرسه ودابته، لأن المياه التي في الدرب كلها نفدت، وأما القدس فأشد حالًا وأبلغ في ذلك.

ولما كان العشر الأخير من شعبان من هذه السنة منَّ اللَّه وله الحمد والمنَّة على عباده بإرسال الغيث المتدارك الذي أحى العباد والبلاد، وتراجع الناس إلى أوطانهم لوجود الماء في الأودية والغدران، وامتلأت بركة زُرَع بعد أن لم يكن فيها قطرة، وجاءت بذلك البشائر إلى نائب السلطنة، وذُكر أنَّ الماء عم البلاد كلها، وأنَّ الثلج على جبل بني هِلال كثير (٤)، وأما الجبال التي حول دمشق فعليها ثلوج كثيرة جدًا، واطمأنّت القلوب وحصل فرج شديد وللَّه الحمد والمنَّة، وذلك في آخر يوم بقي من تشرين الثاني.

وفي يوم الثُّلاثاء الحادي والعشرين من رمضان توفّي الشيخ عز الدين محمد (٥) الحنبلي بالصَّالحية وهو خطيب الجامع المظفري، وكان من الصالحين المشهورين ، وكان كثيرًا ما يلقِّنُ الأموات بعد دفنهم، فلقّنه اللَّه حجّته وثبّته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.


(١) الدرر الكامنة (١/ ٣٥٠) والنجوم الزاهرة (١٠/ ١٦١).
(٢) لم أقع له على ترجمة، والذي قتل في هذه السنة آقسنقر قتل في القلعة الدرر (١/ ٣٩٤).
(٣) في ط: الشيرج بالشين.
(٤) في حوران من أرض دمشق، تحته قرى كثيرة، منها قرية تعرف بالمالكية ياقوت.
(٥) ترجمته في الذيل ص (٢٦٦) والوفيات لابن رافع (٢/ ٥٢) والدرر الكامنة (٣/ ٢٨٧) والذيل التام (١/ ٩٣) وفيها: محمد بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن أبي عمر الصالحي الحنبلي أبو عبد اللَّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>