للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاضي العسكر، فذهبَ إليه فأَوْصَى لولدِهِ وأم ولده ولوالده نفسه، وجعل الناظر على وصيته الأمير علاء الدين علي المارِداني نائب السلطنة، وللأمير صَرْغَتْمُش، ورجع النائب من الثَّنيَّة عشيةَ يوم السبت بين العشاءين الرابع والعشرين منه وتضاعفت الأدعية له وفرح الناس بذلك فرحًا شديدًا، ودعَوْا إلى الأمير طاز بسبب إجابته إلى السمع والطاعة، وعدم مقاتلته مع كثرة من كان معه من الجيوش، وقوة من كان يحرِّضُه على ذلك من أَخَوَيْه وذويه.

وقد اجتمعتُ بنائب السلطنة الأمير علاء الدين علي المارداني فأخبرني بملخص ما وقع منذ خرج إلى أن رجع، ومضمون كلامه: أنَّ اللَّه لطف بالمسلمين لطفًا عظيمًا، إذ لم يقع بينهم قتال. فإنه قال: لما وصل طاز إلى القُطَيْفة وقد نزلنا نحن بالقرب من خان لاجين أرسلتُ إليه مملوكًا من مماليكي أقول له. إنّ المرسوم الشريف قد ورد بذهابك إلى الديار المصرية في عشرة سروج فقط، فإذا جئت هكذا فأهلًا وسهلًا، وإن لم تفعل فأنت أصل الفتنة. وركبت ليلة الجمعة طول الليل في الجيش وهو ملبس، فرجع مملوكي ومعه مملوكه سريعًا يقول: إنه يسأل أن يدخل بطلبه كما خرج بطلبه من مصر، فقلت: لا سبيل إلى ذلك إلا في عشرة سروج كما رسم السلطان، فرجع وجاءني الأمير الذي جاء من مصر بطلبه فقال: إنه يطلب منك أن يدخل في مماليكه فإذا جاوزَ دمشقَ إلى الكُسْوة نزل جيشه هناك وركب هو في عشرة سروج كما رسم. فقلت: لا سبيلَ إلى أن يدخلَ دمشقَ ويتجاوز بطلبه أصلًا، وإن كان عنده خيل ورجال وعدَّة فعندي أضعاف ذلك، فقال لي الأمير: يا خَوَنْدُ لا يكونُ تنسى قيمته، فقلت: لا يقع إلا ما تسمع، فرجع، فما هو إلا أن ساق مقدار رمية سهم وجاء بعض الجواسيس الذين لنا عندهم فقال: يا خوندُ ها قد وصل جيش حماةَ وطرابُلُس، ومن معهم من جيش دمشق الذين كانوا قد خرجوا بسببه، وقد اتفقوا هم وهو. قال: فحينئذ ركبت في الجيش وأرسلت طليعتين أمامي وقلت تراؤوا للجيوش الذين جاؤوا حتى يرَوْكم فيعلموا أنا قد أحطنا بهم من كل جانب. فحينئذ جاء الردُّ من جهته بطلب الأمان ويجهرون بالإجابة إلى أن يركبَ في عشرة سروج، ويترك طلبه بالقُطَيْفة، وذلك يوم الجمعة، فلما كان الليل ركبت أنا والجيش في السلاح طول الليل وخشيت أن تكون مكيدة وخديعة، فجاءتنا الجواسيس فأخبرونا أنهم قد أوقدوا نشَّابهم ورماحهم وكثيرًا من سلاحهم، فتحقَّقنا عند ذلك طاعته وإجابته، لكلِّ ما رُسم به، فلما أصبح يوم السبت وَصَّى وركب في عشرة سروج وسار نحو الدِّيار المصرية وللَّه الحمد والمنة.

وفي يوم الإثنين الرابع والعشرين من صفر دخل حاجب الحجَّاب (١) الذي كان سجن في قلعة صرخد مع البريدي الذي قدم بسببه من الديار المصرية، وتلقاه جماعة من الأمراء والكبراء، وتصدَّق بصدقات كثيرة في داره، وفرحوا به فرحًا شديدًا، وهو والناس يقولون: إنه ذاهب إلى الديار المصرية معظَّمًا


(١) طيدمر الإسماعيلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>