للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمشهور عن الجمهور أنه كان حكيماً ولياً ولم يكن نبياً. وقد ذكره الله تعالى في القرآن فأثنى عليه وحكى من كلامه فيما وَعَظَ به [ولده الذي هو أحبُّ الخلق إليه، وهو أشفق الناس عليه، فكان من أول ما وَعَظَ به] (١) أن قال: ﴿لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾. فنهاه عنه وحذّره منه. وقد قال البخاري (٢): حدّثنا قُتيبة، حدّثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله وقالوا: أيَّنا لم يلبس (٣) إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله : " إنه ليس بذاك، ألم تسمع إلى قول لقمان: ﴿يابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.

ورواه مسلم من حديث سُليمان بن مِهران الأعمش (٤) به.

ثم اعترض تعالى بالوصية بالوالدين وبيان حقهما على الولد وتأكُّده، وأمر بالإحسان إليهما حتى ولو كانا مشرِكَيْن، ولكن لا يطاعان على الدخول في دينهما، إلى أن قال مُخبراً عن لقمان فيما وعظ به ولده: ﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ ينهاه عن ظلم الناس ولو بحبَّةِ خردلٍ، فإن الله يسأل عنها ويحضرها حوزة الحساب ويضعها في الميزان كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠] وقال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] وأخبره أن هذا الظلم ولو كان في الحَقارة كالخردلة، ولو كان في جوف صخرةٍ صَمَّاء لا بابَ لها ولا كُوَّة، أو لو كانت ساقطةً في شيءٍ من ظلمات الأرض أو السموات في اتساعهما وامتداد أرجائهما، لعلم اللهُ مكانها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفُ خَبِيُرٌ﴾ أي: عِلْمُه دقيقٌ فلا يخفى عليه الذَّرُّ مما تراءى للنواظر أو توارى، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] وقال: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٧٥] وقال ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٣].


(١) سقطت من ب بنقلة عين.
(٢) صحيح البخاري رقم (٤٧٧٦)، في التفسير، (سورة لقمان).
كذلك أورده من غير طريق قتيبة عن جرير، برقم (٣٢) في الإيمان، باب ظلم دون ظلم، ورقم (٣٤٢٨ و ٣٤٢٩) في الأنبياء، باب قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾، ورقم (٤٦٢٩) في التفسير، باب ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾.
(٣) في ب: يظلم وهو سهو.
(٤) صحيح مسلم رقم (١٢٤) في الإيمان، باب صدق الإيمان وإخلاصه.