للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ البخاري عند محراب الصحابة، وبين الشيخ بدر الدين بن الشيخ جمال الدين الشُّريشي، وتهاترا على رؤوس الأشهاد بسبب لفظة "يبتز" بمعنى يدَّخر، وفي نسخة يتير، فحكى ابن السرّاج عن الحافظ المزي أن الصواب "يبتز" من قول العرب: عزَّ بزَّ (١) وصدق في ذلك، فكأن منازعَه خطَّأ ابنَ المِزِّي، فانتصر الآخر للحافظ المزِّي، فقاد منه بالقول، ثم فام والده الشيخ جمال الدين المشار إليه فكشف رأسه على طريقة الصوفية، فكأن ابن السَّرَّاج لم يلتفت إليه، وتدافعوا إلى القاضي الشافعي فانتصر للحافظ المزِّي، وجرت أمور ثم اصطلحوا غير مرة، وعزم أولئك على كتْبِ محضرٍ على ابن السراج، ثم انطفأت تلك الشرور.

وكثر الموت في أثناء شهر رمضان وقاربت العدة مئة، وربما جاوزت المئة، وربما كانت أقل منها وهو الغالب، ومات جماعة من الأصحاب والمعارف، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون.

وكثر الجراد في البساتين، وعظُم الخطب بسببه، وأتلف شيئًا كثيرًا من الغلات والثمار والخضراوات، وغلت الأسعار وقلت الثمار، وارتفعت قيم الأشياء فبيع الدبس بما فوق المئتين القنطار، والرز بأزيد من ذلك، وتكامل فتح باب كَيْسان وسموه الباب القبلي، ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة، وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباسورة جنبتيه، ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان، وجاء في غاية الحسن، وسلك الناس في حارات اليهود، وانكشف دَخَلُهم وأمِنَ النَّاسُ من دخنهم وغشهم ومكرهم وخبثهم، وانفرج الناس بهذا الباب المبارك.

واستهل شوال والجراد قد أتلف شيئًا كثيرًا من البلاد، ورعى الخضراوات والأشجار، وأوسع أهل الشام في الفساد، وغلت الأسعار، واستمرَّ الفناء وكثر الضجيج والبكاء، وفقدنا كثيرًا من الأصحاب والأصدقاء، فلان مات. وقد تناقص الفناء في هذه المدة وقلَّ الوقع وتناقص للخمسين وفي شهر ذي القعدة تقاصر الفناء وللَّه الحمد، ونزل العدد إلى العشرين فما حولها.

وفي رابعه دخل بالفيل والزُّرافة إلى مدينة دمشقَ من القاهرة، فأنزل في الميدان الأخضر قريبًا من القصر الأبلق، وذهب الناس للنَّظر إليهما على العادة.

وفي يوم الجمعة تاسعه صُلِّي على الشيخ جمال الدين عبد الصمد (٢) بن خليل البغدادي، المعروف بابن الخُضَري، محدِّث بغدادَ وواعظها، كان من أهل السُّنَّة والجماعة انتهى.


(١) في ط: يز، وهو تحريف. وهو إشارة إلى المثل القائل: من عزَّ بزَّ، أي من غلب سلب.
(٢) ترجمته في الوفيات لابن رافع (٢/ ٢٩٣) ووفاته فيه: في شهر رمضان والدرر الكامنة (٢/ ٣٦٧) وفيه: يعرف بابن الحصري، وذيل طبقات الحنابلة (٢/ ٤١٣) والذيل التام (١/ ٢٠٤) وفيه أيضًا: وفي رمضان ببغداد.

<<  <  ج: ص:  >  >>