للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعناقها فتلتوي رؤوسُها فشبّه به الرجل المتكبّر الذي يميل وجهه إذا كلَّم الناس أو كلّموه على وجه التعاظم (١) عليهم.

قال أبو طالب في شعره: [من الطويل]

وكُنّا قديماً لا نُقِرُّ ظُلَامةً … إذا ما ثَنَوا صُعْرَ الخُدودِ نُقيْمُها

وقال عمرو بن حُنَي (٢) التغلَبي: [من الطويل]

وكنّا إذا الجّبار صَعَّر خدَّه … أَقمنا لَهُ من مَيْلهِ فتقوّما (٣)

وقوله: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ ينهاه عن التبختر في المِشية على وجه العظمة والفخر على الناس، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولً﴾ [الإسراء: ٣٧]، يعني لستَ بسرعة مشيك تقطع البلاد في مشيتك هذه، ولست بدقّك الأرضَ برجلك تخرِق الأرض بوطئك عليها، ولست بتشامخك وتعاظُمك وترفُّعك تبلغ الجبال طولًا، فاتّئد على نفسك، فلست تعدو قدرك.

وقد ثبت في الحديث "بينما رجلٌ يمشي في بُردَيه يَتَبَخْتَرُ فيهما إذ خَسَفَ اللهُ به الأرضَ، فهو يَتَجَلْجَلُ (٤) فيها إلى يوم القيامة" (٥). وفي الحديث الآخر: "وإياكَ وإسْبال الإزارِ فإنَّها مِن المَخِيلَة والمخيلة لا يحبُّها الله" (٦). كما قال في هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. ولما نهاه عن الاختيال في المشي أمره بالقصد فيه، فإنه لا بدَّ له أن يمشي، فنهاه عن الشر وأمره بالخير، فقال: ﴿وَاَقصِد فِى مَشيِكَ﴾ أي: لا تتباطا مُفرِّطاً ولا تسرع إسراعاً مُفْرِطاً، ولكن بين ذلك قواما، كما قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣].


(١) في ط: التعظم.
(٢) القول وبيت عمرو سقط من ب.
وعمرو بن حُني فارس شاعر جاهلي. اختُلِف في اسمه واسم أبيه، وفي وجوده أصلاً. انظر ترجمته ضمن شعراء تغلب للمحقق.
(٣) البيت بهذه الرواية فتقوما، الأولى أن ينسب للمتلمس، من قصيدة أصمعية له رقمها (٩٢).
أما الذي ينسب إلى عمرو بن حني فهو برواية فتقوَّمِ، وهو من أبيات مطلعها:
ألا تستحي منا ملوك وتتقى … محارمنا لا يُبأُ الدم بالدمِ
شعر عمرو بن حني في ديوان شعراء تغلب، للمحقق (٢/ ٣٢٧).
(٤) في ط: يتجلل.
(٥) أخرجه البخاري: رقم (٥٧٩٠)، في اللباس، باب من جرّ ثوبه من الخيلاء، ومسلم (٢٠٨٨)، في اللباس، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه، وفي اللفظ بعض اختلاف.
(٦) أخرجه أحمد (٤/ ٦٥ و ٥/ ٣٧٧)، وهو صحيح.