للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس المرادُ أن المدينة تخربَ بالكليّة، قبل خروج الدّجال، وإنما ذلك يكون في آخر الزمان، كما سيأتي بيانهُ في الأحاديث الصحيحية، بل يكون عِمَارةُ بَيْت المقدس سببًا في خراب المدينة النبوية، لأن الناس يرحلون منها إلى الشام لأجل الريف والرخص، فإنهُ قد ثبت في الأحاديث الصحيحة: أن الدّجال لا يدخلها، يمنعه من ذلك بما على أنقابها من الملائكة، بايديهم السُّيوفُ المُصْلَتَةُ.

وفي "صحيح البخاريّ" من حديث مالك، عن نُعيم المُجْمِر، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه قال: "المدينة لا يدخلها الطَّاعون ولا الدّجَّال" (١).

وفي "جامع الترمذيّ": أن المسيح ابن مريم إذا مات يُدفَنُ في الحُجْرة النبويّة (٢).

وقد قال مسلم: حدثني عمرو الناقد، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا زُهَيْرٌ، عن سُهَيْل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه : "تبلغ المساكنُ إهَابَ" أو "يِهَاب" قال زهير: قلت لسُهَيل: فكم ذلك من المدينة؟ قال: كذا وكذا ميلًا (٣).

فهذه العمارة إمّا أن تكون قبل عِمارة بيت المقدس، وقد تكون بعد ذلك بدَهْر، ثم تخرَب بالكلّية، كما دلّت على ذلك الأحاديث، التي سَنُوردها.

وقد روى القرطبيُّ، من طريق الوليد بن مُسلم، عن ابن لَهِيعَةَ، عن أبي الزُّبير، عن جابر: أنه سمع عمر بن الخطاب على المنبر يقول: سمعتُ رسول اللَّه يقول: "يخرُج أهلُ المدينة منها، ثمّ يعودون إلَيْها فيَعْمُرونَها، حتّى تَمتلئ، ثم يخرجون منْها، ثم لَا يعودُونَ إلَيْها أبدًا" (٤).

وفي حديث عن أبي سعيد مرفوعًا مثلهُ: وزاد: "ولَيَدَعُنَها وهي خير ما تكون مونِعة" قيل: فمن يأكُلها؟ قال: "الطَّيرُ، والسِّباع" (٥).

وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال: "يَتْركُونَ المدينة على خَيْرِ ما كانَتْ، لا يغشاها إلا العَوافي" يريد عَوافِيَ السِّباع والطير "ثم يخرجُ راعيانِ من مُزَيْنَة يُريدان


(١) رواه البخاري (٧١٣٣).
(٢) الترمذيّ (٣٦١٧) وهو من نقل عبد اللَّه بن سلام عن التوراة، وإسناده إليه ضعيف.
(٣) رواه مسلم رقم (٢٩٠٣).
(٤) رواه عمر بن شَبَّة في "تاريخ المدينة" (١/ ٢٨٣) وإسناده ضعيف.
(٥) رواه عمر بن شَبَّة في "تاريخ المدينة" (١/ ٢٨٠ - ٢٨١) وفيه أبو هارون العبدي وهو متروك.

<<  <  ج: ص:  >  >>