فَتَمِيدُ بالناس على وجهها، وَتَذْهَلُ المَراضِعُ، وَتضَعُ الحَوامِلُ، وَيَشِيبُ الوِلْدَانُ، وتَطيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبةً مِنَ الفَزَع، حتّى تَأْتِيَ الأَقْطَارَ، فَتلقَاهَا الملائكة تَضْرِبُ وُجوهَهَا، فتَرْجِعُ، ثم توَلُّونَ مُدبِرِينَ: مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصمٍ، ينادي بعضهم بعضًا، وهو الذي يقول اللَّه تعالى: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢)﴾ [غافر] فبينما هم على ذلك، إذ تصدّعت الأرضُ تَصَدُّعَيْنِ من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ، فَرأَوْا أمرًا عَظِيمًا لم يَروا مِثْلَهُ، وأَخَذهمْ لِذَلِك من الكَرْبِ والهَوْلِ ما اللَّهُ بِه عَلِيمٌ، ثم تُطْوَى السَّماءُ، فإذا هِيَ كالمُهْلِ، ثم انْشَفتِ السَّماءُ فانْتَثَرتْ نُجُومُها، وخَسَفَتْ شَمْسُها، وقَمرُهَا.
قال رسول اللَّه ﷺ:"الأمواتُ لا يَعْلَمونَ بشَيْءٍ مِنْ ذلك" قال أبو هريرة: يا رسول اللَّه، مَنِ استَثْنى اللَّهُ حِينَ يقول: ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [النمل: ٨٧] قال: "أولئِكَ الشُّهَداءُ، إنّما يَصِلُ الفَزَع إلى الأحياء وهم أحياءٌ عِنْدَ رَبِّهم يُرْزَقُونَ، فوقاهُمُ اللَّهُ فَزَع ذلك اليومِ، وأمنهم منه، وهو عذاب اللَّه يَبْعثُه على شِرار خَلْقه، وهو الذي يقول اللَّه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢)﴾ [الحج: ١ - ٢].
فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء اللَّه سبحانه، إلا أنه يطولُ، ثم يأمر اللَّه إسرافيلَ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فيَصعق أهل السماوات، والأرض، إلا مَنْ شاء اللَّه، فإذا هم خَمَدُوا، جاء ملكُ الموت إلى الجبّار تعالى، فيقول: يا رَبِّ، مات أهلُ السماوات، والأرض، إلا مَنْ شِئْتَ، فيقول اللَّه تعالى له، وهو أعلم بمن بقي: مَن بقي؟ فيقول: يا رَبِّ، بقيتَ أنْتَ الحَيُّ الّذِي لَا يموت، وبَقِيَتْ حَمَلَةُ عَرْشك، وبقي جِبْرِيلُ، ومِيكَائِيلُ، وبَقِيتُ أنا، فيقول اللَّهُ ﷿: لِيَمُتْ جبريلُ، وميكائيلُ، فيُنْطِقُ سبحانه العرشَ فيقول: يا رب يموتُ جبريلُ، وميكائيل؟!، فيقول اللَّه سبحانه للعرش: اسكتْ، إني كتبْتُ الموتَ عَلَى كُلِّ مَنْ كان تَحْتَ عَرْشي، فيموتان، ثم يأتي مَلكُ الموت إلى الجبّار ﷿ فيقول: يا رَبِّ، قد مات جبريلُ، وميكائيلُ، فيقول، وهو أعلم بمن بقي: فَمَن بقي؟، فَيقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أنت الحَيِّ الذي لا يمُوتُ، وبقِيَ حَمَلةُ عَرْشِكَ، وبقَيِتُ أنا، فيقول اللَّهُ تعالى: فَلْيَمُتْ حَمَلةُ عَرْشي، فيَمُوتُونَ، ثم يأمرُ اللَّهُ سبحانه العَرْشَ فَيَقْبِضُ الصُّورَ مِنْ إسرافيلَ، وإسرافيل من جملة حملة العرش، ثم يأتي ملَكُ الموت إلى الجَبَّار ﷿، فيقول: يا رب قد مات حمَلةُ عَرشِك، فيقول ﵎ وهو أعلمُ بِمَن بقِي: فمن بقي؟ فيقول: يا ربّ، بقيتَ أَنْتَ الحي الذي لا يموت، وبقيتُ أنا، فيقول اللَّه له: أنْتَ خَلْق مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فَمتْ، فيموتُ، فإذَا لم يبْقَ إلا اللَّهُ-
قال ابن أبي الدنيا: ثنا محمدُ بن الحسين، ثنا يونس بن يحيى الأمويُّ أبو نباتة، ثنا إسماعيلُ بن