للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى جَسدها. فتدخُل الأرواحُ في الأرض إلى الأجساد. فتدخُل في الخَيَاشيم، ثم تمْشِي في الأجساد مَشْيَ السُّمِّ في اللَّدِيغ، ثم تنشَقّ الأرض عنكم، وأنا أوّل مَنْ تَنْشَق الأرض عنه، فتَخْرُجُون منها سراعًا إلى رَبكم تَنْسلون ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)[القمر: ٨] حُفاةً عراة غُلفًا غُرلًا، ثم تقفون مَوْقفًا واحدًا مقدار سَبْعِينَ عامًا، لا يُنظر إليكم ولا يُقْضَى بينكم، فتبكون حتّى تَنْقَطع الدموع، ثم تدمَعُون دمًا، وتَعْرَقُون حتى يَبْلُغَ ذلك منكم أن يُلْجمكُمْ أو يبلغ الأذْقان، فَتَضِجُّون وتقولون: مَنْ يَشْفَعُ لنَا إلى رَبِّنا ليَقْضي بَيْننَا؟

فيقولون: مَنْ أَحَقُّ بِذَلك من أَبيكم آدم؟ خَلَقه اللَّه بِيَدِه، وَنفَخ فيهِ مِنْ رُوحه، وكلَّمَهُ قِبَلًا (١)، فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه، فيأبى، فيقول: ما أنا بصاحب ذلك، ثم يَستَقْرُونَ الأنبياءَ نبِيًّا نبِيًّا، كلما جاؤوا نبِيًّا أبى عليهم" قال رسول اللَّه : "حتّى يأتوني، فأنْطلِقُ، حتّى آتيَ الفَحْصَ، فأخرُّ ساجدًا" قال أبو هرِيرة: يا رسول اللَّه، ما الفحص؟ قال: "قُدّام العَرْش، حتّى يَبْعَثَ اللَّه إليّ مَلكًا، فَيأخُذَ بِعَضُدي فَيرْفعُنِي، فيقول لي: يا محمد، فأقول: نعم، لبَّيْكَ يا رب، فقال: ما شأنك؟ وهو أعلم، فأقول: يا ربّ، وَعدتني الشَّفَاعة، فشَقعني في خَلْقِك، فاقْضِ بَيْنهُمْ، فيقول: شَفَّعتكَ، أنا آتيكم فأقضي بينكم" قال رسول اللَّه : "فارْجع، فأقفُ مع الناس، فبينما نحنُ وقوف، إذْ سَمِعْنَا حِسًّا من السماء شديدًا، فنزل أهْلُ السماء الدنيا مِثلَ مَنْ في الأرض من الجنّ والإنس، حتّى إذا دَنَوْا من الأرض أَشرَقَتِ الأرضُ بِنُورهم، وأخَذُوا مَصافَّهم، قلنا لهم: أفيكم ربُّنا؟ قالوا: لا، وهو آتٍ، ثم ينزل أهل السماء الثانية، بمثل مَنْ نَزل من الملائكة، من أهل السماء الدنيا، ومِثْلِ مَنْ فيها من الجنّ، والإنس، حتى إذا دَنَوْا منَ الأرض أشْرَقتِ الأرض بنورهم، وأخذوا مَصافَّهم، وقلنا لهم: أفيكُمْ رَبُّنا؟ قالوا: لا، وهو آتٍ، ثم ينزل أهل كل سماءٍ على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزلَ الجبّار في ظُلَل من الغَمام والملائكة، وَيَحْمِلُ عَرْشَه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تُخوم الأرض السُّفْلَى، والسمواتُ إلى حُجَزِهم، والعَرْش على مَنَاكبهم، لهم زَجَلٌ (٢) من تَسْبِيحهم، يقولون: سُبْحانَ ذي العِزَّة والجَبَروت، سُبْحَان ذي المُلك والمَلكُوت، سبحان الحيّ الذي لا يموت، سبحان الذي يميتُ الخلائقَ، ولا يموتُ، سبُّوح قُدُّوس، سبحان ربنا الأعلى، رب الملائكة والروح، الذي يميت الخلائق ولا يموت، فيضع اللَّه تعالى كُرْسيَّهُ حَيْثُ يشاءُ من أرضه، ثم يَهتِف بِصَوْتِه فيقول تعالى: يا مَعْشَر الجنِّ والإنس، إني قَدْ أنْصَتُّ لكُمْ مِنْ يومِ خلقتكم إلى يومكم هذا، أسْمَعُ قولكم، وأرى أعمالكم، فأَنْصتُوا لي اليوم، إنّما هي أعْمالُكُم وصُحُفكم تُقرأ عليكم، فمن وجد خَيْرًا فليحمد اللَّه، ومَنْ وجَدَ غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلّا


(١) أي مقابلة.
(٢) أي صوت رفيع عال.

<<  <  ج: ص:  >  >>